د.زهرة خدرج 

كاتبة وروائية فلسطينية

كنت متحمسًا جدًا للعودة للمدرسة، سأصبح في الصف الثالث. في اليوم الأول خرجت باكرًا أحمل حقيبتي على ظهري متشوقًا للقاء أصدقائي، وفي يدي قطعة خبز أقضمها وضعت لي جدتي داخلها بعض الزيت والزعتر.. وقفتْ جدتي بباب البيت تودعني وتوصيني أن أتأنى وأمشي على الرصيف وأنتبه عندما أقطع الشارع، كما هي عادتها كلما دخلتُ أو خرجتُ!

ما إن ابتعدتُ عن البيت حتى نسيت وصايا جدتي واندفعتُ في الطريق راكضًا، في شارع المدرسة كنتُ أقطع الطريق إلى الجهة الأخرى بسرعة.. ودون أن أنتبه، تزحلقت أرضًا.. فإذا بي وسط بقعة كبيرة من مادة زيتية سوداء اللون تسيل من كراج لتصليح السيارات. نظرت إلى نفسي، كانت ملابسي ملوثة تمامًا.. سروالي تناثرت عليه بقع سوداء كبيرة بشكل عشوائي، وحقيبتي لم تعد خضراء زاهية جميلة، وقميصي الأبيض نال منه اللون الأسود أيضًا، وحذائي الجديد الأبيض الرائع الذي أرسله لي والداي لم يعد أبيض كما كان، وسقطت قطعة الخبز وتلوثت تمامًا.. للحظات شعرت أني لم أعد قادرًا على النهوض، لا أدري هل سقوطي المفاجئ هو السبب أم أنه شعوري بالارتباك.. نظرت حولي فإذا بأصدقائي يلوحون لي بأيديهم ويقهقهون ضاحكين.. قال سمير: ما بك يا فتى؟؟ هيا انهض.. نحن بانتظارك. 

وبقفزة واحدة كنت أقف وسط البقعة السوداء، ولكن البقعة كانت زلقة؛ ففقدت توازني ووقعت مرة أخرى.. ولكن في هذه المرة ارتطم رأسي بالأرض، والتَوَتْ ساقي أسفل مني وشعرت بألم شديد يضربها مثل صاعق.. صرخت ألمًا واستسلمت لفكرة أنني غير قادرٍ على الوقوف مرة أخرى.. كان أحد المعلمين يمر من المكان.. توقف، وضع حقيبته جانبًا، ثم مدَّ يده إليَّ وساعدني على النهوض.  

لم أستطع المشي فساقي تؤلمني بشدة..

في سيارة المدير نقلوني إلى البيت، نظفت جسدي وغيرت ملابسي، وذهبت برفقة جدتي إلى الطبيب الذي لفَّ ساقي بالجبصين الأبيض، وأمرني بالاستراحة في البيت، ووصف لي دواءً سيئ الطعم، وبرغم كرهي له أجبرتني جدتي على تناوله مرتين يوميًا..

شعرت بالخيبة، ولم أتصور نهائيًا أن ينقلب يومي بهذه الصورة.. كنت أتعجل دخول المدرسة ولقاء الأصدقاء واستلام الكتب الجديدة والتعرف إلى المعلمين الجدد.. ولكن كل شيء سار في طريق مختلف تمامًا عما خططت له.

بعد ثلاثة أسابيع أزال الطبيب الجبصين عن ساقي، واضطررت إلى التردد على مركز للعلاج الطبيعي ثلاث مرات أسبوعيًا قبل أن أتمكن من العودة للمشي بصورة طبيعية.

أردت أن أختصر قليلًا من الوقت في طريقي إلى المدرسة، فإذا بي أتأخر ثلاثة أسابيع كاملة، فضلا عن الألم والبقاء في البيت، والتعب الذي سببته لجدتي وقلقها على صحتي.

عندما عدت إلى المدرسة، كان زملائي قد كتبوا على سور المدرسة الداخلي بخط عريض جميل:" في التأني السلامة وفي العجلة الندامة!".

شعرت أنني المقصود تحديدًا بهذه العبارة.