تسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى تعزيز "الهيمنة" على القدس والمسجد الأقصى، لكن كلما كان الموقف الفلسطيني قويا بشكل أكبر، فذلك من شأنه أن يؤثر على قرارات الاحتلال، ويفرض عليه التراجع، بحسب مراقبين.
واندلعت يوم الجمعة الماضية، مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال أسفرت عن ارتقاء ثلاثة شهداء فلسطينيين وإصابة 450 آخرين، على خلفية نصب الاحتلال الإسرائيلي بوابات إلكترونية على مداخل الأقصى. ويرفض الفلسطينيون الدخول عبر هذه البوابات، ويقولون إنها ترمي لتغيير الوضع القائم في المدينة المقدسة.
ويقول المتخصص في شؤون الاحتلال الإسرائيلي، أنطوان شلحت، إن "الموقف الإسرائيلي سيظل مرهونا بردة الفعل الفلسطينية" على إجراءاته، مفسرا بأن ردة الفعل الفلسطينية المدعومة أيضًا بردات فعل إلى حد ما قوية من جانب بعض العرب وبعض القوى العالمية، يمكن أن تؤدي بـ(إسرائيل) إلى التراجع عن البوابات الإلكترونية من خلال استبدالها بما تسميه "كاميرات ذكية".
ونصبت قوات الاحتلال الإسرائيلي أمس، عند باب الأسباط، أحد مداخل المسجد الأقصى، كاميرات "ذكية" كاشفة للآلات الحادة والأسلحة والمواد المتفجرة، بحسب مراقبين.
ويرى شلحت، في تصريحات لصحيفة "فلسطين"، أن موقف سلطات الاحتلال يتراجع بشكل ما إزاء المعارضة التي واجهت إجراءاتها الأخيرة في المسجد الأقصى والتي رأت الجهات المعنية أنها تعمل على تغيير الوضع القائم وصولا به إلى ما حدث في الحرم الإبراهيمي في الخليل المحتلة من تقسيمه على يد الاحتلال.
ويتابع: "باعتقادي أن هناك بداية تراجع في الموقف الإسرائيلي، وكلما كان الموقف الفلسطيني أكثر إصرارا على عدم المساومة في هذه المسألة فهذا من شأنه أن يفرض واقعا على الجانب الإسرائيلي فيما يتعلق بكل الإجراءات المتخذة" تجاه المسجد الأقصى.
ويذكر شلحت عوامل عدة من شأنها أن تفرض تراجعا على موقف الاحتلال الإسرائيلي، ومنها أنه "لا يوجد إجماع داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على كل هذه الإجراءات"، مبينا أنه فيما تؤيد الشرطة هذه الإجراءات فإن ما يسمى "جهاز الأمن العام" وجيش الاحتلال يؤكد أنه لا حاجة لها.
ومن العوامل أيضًا، أن هناك موقفا أردنيا ضد إجراءات الاحتلال في القدس، بحسب شلحت، الذي يعتقد أن (إسرائيل) لا يمكنها أن تغامر بعلاقاتها الدبلوماسية مع الأردن التي توجد إشارات في الآونة الأخيرة بأنها علاقات استراتيجية على المستوى الأمني.
وتنص معاهدة "وادي عربة" الموقعة سنة 1994م بين الأردن و(إسرائيل)، في أحد بنودها، على أن تحترم الأخيرة "الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس".
ويشير إلى أن سلطات الاحتلال تأخذ أيضًا بعين الاعتبار موقف تركيا، التي أجرت معها مصالحة في الآونة الأخيرة، ويمكن للإصرار الإسرائيلي على الإجراءات في القدس المحتلة أن يضع هذه المصالحة أمام تحد قد يؤدي إلى تراجعها، ويضاف إلى ذلك الموقف العالمي والدولي.
ويردف قائلاً: "لن تبادر المؤسسة الفلسطينية السياسية إلى اتخاذ موقف إلا إذا رأت أن له تأييدا من الميدان الفلسطيني".
من جهته، يقول المتخصص في شؤون الاحتلال الإسرائيلي، علي حتر، إن سلطات الاحتلال تحاول "تعزيز الهيمنة" على القدس والأقصى من خلال إجراءاتها لاسيما البوابات الإلكترونية، وتريد اختبار رد الفعل الفلسطيني والعربي على ذلك.
ويشير حتر في تصريحات لصحيفة "فلسطين"، إلى الغضبة الشعبية الفلسطينية على إجراءات الاحتلال، لكنه يؤكد ضرورة أن تحظى هذه الغضبة بدعم من الدول العربية كي تستمر.
ويوضح أن دفاع الفلسطينيين ولاسيما النساء منهم عن المقدسات، "يعبر عن شجاعة وبطولة الشعب الفلسطيني في التصدي"، مردفا: "لكن الشعب في النهاية يتصدى وحده"، في إشارة إلى ضرورة أن يحظى الفلسطينيون بدعم عربي وإسلامي لحماية القدس والأقصى.
ويرى حتر أن هناك إمكانية لتراجع الاحتلال الإسرائيلي عن إجراءاته، لأن الاختبار الذي يجريه الأخير ليس للفلسطينيين وحدهم بل للشعوب الإسلامية والعربية أيضًا، مبينا في نفس الوقت أنه إذا لم يكن هناك دعم عربي وإسلامي للفلسطينيين فإن (إسرائيل) سيكون بإمكانها أن تضغط على الشعب الفلسطيني ضغطا كبيرا جدا، لكنها لا تستطيع أن تضغط على كل العالم الإسلامي والعربي.
لكنه يلفت في نفس الوقت، إلى أن سلطات الاحتلال عادة لا تنسحب من المعركة، لكن تغير طريقة التعامل.
ويعتقد أنه من الممكن أن تزيل سلطات الاحتلال البوابات الإلكترونية "لأنها غير عملية بالنسبة لها، مقابل تعزيز السيطرة على المنطقة كلها في المسجد الأقصى".
ويعتقد حتر، من جهة ثانية، أن (إسرائيل) تتجه إلى مزيد من التطبيع مع دول عربية.
ويشار إلى أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) تبنت في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2016 خلال اجتماع في العاصمة الفرنسية باريس قرارا ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بـالمسجد الأقصى وحائط البراق، ويعتبرهما تراثا إسلاميا خالصا.