كلنا سنرحل، وسيرحل محمود عباس أيضاً، لتخلو برحيله أربعة مقاعد قيادية، تتحكم بمصير الشعب الفلسطيني، ومستقبل القرار السياسي، وهذه المقاعد الأربعة هي رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ورئاسة السلطة الفلسطينية، ورئاسة المجلس الوطني، ورئاسة الوزراء.
فمن سيشغل هذه المقاعد المهمة في حالة رحيل محمود عباس؟
يتحدثون عن انقسامات داخل حركة فتح، وهناك مناشدات لتوحيد الحركة، وهناك حديث عن توزيع الكراسي، وتقاسم السلطات داخل حركة فتح نفسها، متجاهلين كلياً وجود الشعب الفلسطيني، ووجود تنظيمات سياسية وعسكرية وجماهيرية وازنة، وكأن القيادة الفلسطينية حكر على حركة فتح، وما على التنظيمات الفلسطينية الأخرى إلا أن تبارك ما تقرره حركه فتح، إن كان اختلافاً وتشرذماً للساحة الفلسطينية، وإن كان توافقاً وترتيباً داخل الإطار نفسه.
لا أريد في مقالي أن أقلل من حركة فتح، ولكن تفرد حركة فتح بالقرار من خلال رئيسها محمود عباس، جرف الحالة السياسية الفلسطينية من التعددية التنظيمية إلى التفرد الشخصي، ومن الالتفاف الوطني حول التحرير، إلى تقديس التنسيق والتعاون الأمني، ومن المطالبة بفتح القدس إلى المطالبة بافتتاح القنصلية الأمريكية في القدس، وهذا النكوص يفرض على الشعب الفلسطيني ألا يفرط بالشراكة السياسية والسيادية في كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني، فلا يصح أن يستأثر تنظيم بمفرده بالقرار، وأن يقود الشعب الفلسطيني وفق برنامجه السياسي، ولا سيما أن حركة فتح منقسمة بين أنصار مروان البرغوثي، ومؤيدي ناصر القدوة، ومعسكر محمد دحلان، وتحالفات جبريل الرجوب، وجماعة حسين الشيخ وماجد فرج وغيرهم.
التركيز على حركة فتح ووحدتها وانقسامها دليل تسخيف للشعب الفلسطيني، ولبقية التنظيمات الفلسطينية الكبيرة؛ أمثال حركة حماس، وحركة الجهاد، والجبهة الشعبية، ودليل استخفاف بقوة هذه التنظيمات، ولا سيما حين يسعى بعض قادة حركة فتح، للحصول على الدعم والتأييد من هذه التنظيمات في المنافسة الحركية الداخلية، وهذه قمة المأساة، أن تكون حركة حماس والجهاد والشعبية سلماً لبعض الشخصيات التنظيمية في حركة فتح، وقد دللت التجربة أن أي شخصية من حركة فتح، تتقرب من التنظيمات، وتتحايل عليها لتأخذ الشرعية، هي الشخصية التي ستكون العصا الغليظة التي ستكسر ظهر التنظيمات الداعمة له، وراجعوا تاريخ رؤساء الوزراء سلام فياض، ورامي الحمد الله، وهما اللذان تلقيا التأييد من بعض التنظيمات.
التنظيمات الفلسطينية الثلاثة؛ حماس والجهاد والشعبية لم تعد تشكل ثقلاً عسكرياً وميدانياً فحسب، بل صارت تشكل ثقلاً جماهيرياً، وهذا ما أكدته آخر انتخابات للصيادلة، ومن قبلها الاطباء والمهندسين وجامعة بيرزيت، وما يميز هذه التنظيمات الثلاثة؛ حماس والجهاد والشعبية؛ أنها أجرت انتخاباتها الداخلية في الفترة الأخيرة، وقد أفرزت قيادات منتخبة، بمعنى آخر، فإن قادة هذه التنظيمات ليسوا مفروضين من الخارج، ولا هم ضمن توصيات الإقليم، بل أفرزتهم التجربة، وأخذوا ثقتهم من القاعدة التي هي الأساس المعتمد في ديمقراطيات العالم.
الشاهد على كل ما سبق؛ على التنظيمات الثلاثة الكبيرة أن تتفق فيما بينها على عدم التسليم بأن القيادة من حق حركة فتح، عليهم أن يحترموا وزنهم داخل الشارع الفلسطيني، وأن يحاوروا حركة فتح من موقع الحرص على حركة فتح نفسها، ومن موقع الندية، وذلك وفق مبدأ تحمل المسؤولية بشكل جماعي، وتقاسم السلطات ضمن توافق وطني، لتكون قيادة اللجنة التنفيذية مع إحدى التنظيمات الكبيرة، بينما تكون رئاسة السلطة الفلسطينية مع تنظيم آخر، لتكون رئاسة المجلس الوطني لتنظيم ثالث، ورئاسة الوزراء لتنظيم رابع، ولا بأس أن تكون وزارة الخارجية لتنظيم آخر، على أن تكون وزارة المالية لتنظيم مختلف، وكل حسب حجمه ووزنه وقدراته.
الشراكة التنظيمية في تحمل المسؤولية عن المرحلة الانتقالية مدتها عام واحد، يتم خلاله إجراء انتخابات للمجلس الوطني والمجلس التشريعي والرئاسة الفلسطينية في يوم واحد، ليقرر الشعب الفلسطيني مستقبله من خلال صندوق الانتخابات.
دون هذا التقاسم التنظيمي للصلاحيات والمسؤوليات، فمن الخطيئة أن يظل الشعب الفلسطيني أسيراً لقرار الفرد، ولتدخل الإقليم، وللضغط الإسرائيلي، التنظيمات الفلسطينية هي القوة المؤثرة، وهي الأقدر على رفض أي قرار داخلي لحركة فتح، سيفرض على الشعب الفلسطيني الرئيس، ورئيس المنظمة، ورئيس المجلس الوطني، ورئيس الوزراء، وبقية الوظائف والمسؤوليات الكبيرة، ليظل الشعب الفلسطيني محكوماً لتسلط الفرد، وتفرد التنظيم.