فلسطين أون لاين

هدم المنازل ومحاولة ردع المقاومة

يمارس الاحتلال الإسرائيلي صورًا مختلفة من الإرهاب بحق الفلسطينيين وذلك وفق خطط وسياسات عدوانية ممنهجة كان أكثرها قسوة اللجوء إلى (هدم وتفجير) المنازل الفلسطينية وتشريد عائلات بأكملها في محاولة يائسة لردع الفلسطينيين ووقف المقاومة، هذه السياسة التي وصفها البعض "بالمجنونة والخطيرة" ليست جديدة إنما رافقت هذا الكيان منذ نشأته في عام 1948، فقد دمر الاحتلال الإسرائيلي منذ النكبة ما يزيد على 500 قرية وبلدة فلسطينية، فيما يقدر عدد المنازل التي هدمها أو فجرها الاحتلال منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا بحوالي 170 ألف منزل، ففي النكبة نفسها هُجر قسرًا ما يقارب مليون فلسطيني من المناطق التي احتلت عام 1948، وأصبحوا الآن نحو 7 ملايين في أنحاء العالم، غير مسموح لهم بالعودة إلى أراضيهم أو بلادهم بسبب القيود التي يفرضها الاحتلال.

تأتي هذه السياسات العدوانية للاحتلال في ظل: "صمت مطبق من النظام الرسمي العربي، ومواقف دولية بروتوكولية وغير جادة، وقبل كل ذلك مواقف غير مسؤولة من السلطة الفلسطينية والتي لم تتحرك فعليًّا في كل الأروقة الدولية لممارسة أقصى ضغط على الاحتلال واكتفائها بكل أسف بتصدير بيانات الإدانة، فيما يحاول الاحتلال وبالتزامن مع هذه الهجمة المسعورة خداع العالم وتجييش الرأي العام الإقليمي والدولي لصالحه عبر الإعلان عن مبررات خاصة تدفعه للهدم ومن أبرزها؛ 1_هدم المنشآت بحجة عدم الحصول على تراخيص للبناء في مناطق (ج)، و2_الهدم بحجة الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية، 3_الهدم  بسبب تعرض الإسرائيليين لهجمات فلسطينية وتكون أدت لقتلى في الجنود أو المستوطنين، حيث تعاقب وبشكل جماعي أسرة الفدائي للانتقام من ذويه، وتحاول خلق حالة من الردع في نفوس الفلسطينيين وأي من المنفذين المحتملين.

وتتعدى قوات الاحتلال قرارات الهدم إلى فرض "الحظر بالقوة" على أي بناء جديد في موقع المنزل المهدوم، واللجوء إلى المصادرة في حالات أخرى، فمنذ عام 2004 وحتى اليوم تورط الاحتلال الإسرائيلي في هدم وتفجير ما يقارب 270منزلًا في إطار(العقاب الجماعي) أدى ذلك لتشريد أكثر من 1300 شخص، وفي عام 2014؛ وخصوصا بعد مقتل  المستوطنين الإسرائيليين الثلاثة في الخليل على يد خلية فلسطينية استأنفت المحكمة الإسرائيلية قرارات "الهدم العقابي" بشكل أساسي، وذلك بعد أن كانت لجنة عسكرية إسرائيلية  قد أصدرت قرارا يقضي بوقف هذه العمليات  العقابية؛ لأنها أصبحت غير مجدية خلال "الانتفاضة الثانية والتي عرفت  بـ"انتفاضة الأقصى" خلال (2000-2004).

جدير بالذكر أنه مؤخرا وخلال عام 2021 وفي مؤتمر صحفي من المقر الدائم في نيويورك تلا: (ستيفان دوجاريك) المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة بيانا رسميا قال فيه "مثل هذه الأعمال تتعارض مع القانون الدولي، ويمكن أن تقوض فرص إقامة دولة فلسطينية متواصلة (جغرافيا) وقابلة للحياة"، وأضاف أيضا أن "الأمين العام يشعر بقلق بالغ إزاء هدم ممتلكات الفلسطينيين، وأشار إلى أن الأمين العام "يجدد دعوته للسلطات الإسرائيلية لوقف عمليات الهدم ومصادرة الممتلكات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة"، إلا أن هذه التصريحات والدعوات وغيرها لم تؤثر على سياسات الاحتلال؛ لأن كيان الاحتلال لا يلقي بالًا للمواقف الدولية كونها بالأساس لا تترجم عمليا في كل الأحوال لأي إجراء عقابي جدي، الأمر الذي دفعه لرفع وتيرة العدوان وتصعيد عمليات الهدم والتفجير للمنازل.

ولا تزال هذه السياسات الإرهابية تفتك بمقدرات الفلسطينيين بضوء أخضر من حكومة متطرفة تسعى لاجتثاث الفلسطينيين من أرضهم وردعهم عن القيام بأي فعل مقاوم فمنذ مطلع هذا العام 2022 هدم الاحتلال عددًا من المنازل، كان آخرها قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بتفجير منزل الشهيد ضياء حمارشة في قرية يعبد بمدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة صباح الخميس الماضي، واعتقل والده، وذلك بدعوى تنفيذ ابنهم ضياء عملية إطلاق نار أسفرت عن استشهاده ومقتل 5 أشخاص آخرين في 29 مارس/ آذار الماضي بمدينة بني براك.

وإزاء هذا الإجرام الصهيوني فإن المطلوب التحرك في عدة مسارات لوقف آلة الدمار والخراب الإسرائيلية، على أن يشمل ذلك تحرُّكًا فلسطينيًّا على المستوى الرسمي يؤدي لانتزاع قرار دولي باعتبار هدم وتفجير المنازل (جريمة حرب) وترجمة هذا القرار طرف المحاكم الدولية لملاحقة القيادات الإسرائيلية التي تقف خلفه، وعلى المستوى الشعبي التضامن مع العائلات المتضررة وكفالتها ومساعدتها في إعادة البناء، وعلى شرفاء ومقاومي شعبنا في الضفة التصدي لأي محاولات قادمة والعمل على وضع كمائن للاحتلال تؤدي لرفع كلفة وثمن أي عملية جديدة وتوقع في صفوفه خسائر غير مسبوقة فقد آن الأوان لتصنيع العبوات في الضفة الغربية لهذا الغرض ولأغراض أخرى في مواجهة الاحتلال.

وعلى الصعيد العربي: "شعبيا" يمكن تحشيد كل من: " المؤسسات، والمنظمات، والنقابات، والاتحادات المتضامنة مع قضية فلسطين"؛ للقيام بأدوار مختلفة تؤدي لفضح جرائم الاحتلال وممارسة ضغوط إضافية عليه في ظل حرصه على تلميع صورته ومحاولاته تسويق نفسه لدول وشعوب المنطقة، وعلى الصعيد العربي "الرسمي" فالمطلوب وقف مسار التطبيع والعمل على (عزل الكيان) في المنطقة ومساندة شعبنا في كل الأروقة والمحافل الدولية؛ لأن الاحتلال لا يحمل لهم الخير وسيجلب لهم حتمًا الهلاك والدمار، ولن يكتفي بما يفعله في فلسطين، وختامًا: فإن الاحتلال فشل وسيفشل مرارا في تحقيق أدنى مستويات الردع ولن يفلح في الحصول على الأمن المطلوب، واستمرار سياسة هدم المنازل سيكون بمثابة مزيد من الوقود لدفع عشرات الفدائيين لشن هجمات جديدة وربما تكون أقرب من أي وقت مضى.