في وضح النهار وبلا رادع، يمضي المستوطنون في اعتداءاتهم وهم مدججون بالأسلحة، يزرعون الخوف والرعب في نفوس الأهالي والأطفال، خاصة في قرى جنوب نابلس بالضفة الغربية المحتلة، وقد كان ضحيتهم هذه المرة الفتى إيهاب حسن من بلدة قصرة.
في لحظةٍ وجد الفتى إيهاب نفسه بين أقدام 20 مستوطنًا إسرائيليًا ينهالون عليه بالضرب بالعصي وأدوات حادة وأعقاب مسدسٍ، ويفرغون علبة غاز الفلفل على وجهه بعدما جردوه من ملابسه.
وهو يتقلب على الأرض بين ركلات المستوطنين كان كفريسةٍ بين أنيابهم، قبل أن تصدح مآذن المساجد لتستنفر الأهالي ولجان الحراسة والشباب بالخروج إلى جنوب البلدة لتخليصه من بين أيديهم، إذ بدأت مواجهة شرسة تدخَّل على إثرها جيش الاحتلال لفضّ المواجهات وحماية مستوطنيه.
نجاة من الموت
يروي إيهاب لصحيفة "فلسطين" تفاصيل الاعتداء: إذ كان الساعة الرابعة عصرًا من يوم الأحد الماضي نائمًا، فاستيقظ على أصوات الشباب بالخروج لوجود مستوطنين في المنطقة، فوقف على مقربة من منزله وكان المستوطنون يطلقون النار على الشباب الذين يتصدون لهم.
"في لحظة باغتني أحد المستوطنين من الخلف وهو يركب على دراجة نارية، ووضع مسدسه على رأسي وبدأ ينهال عليّ بالضرب، ثم جاء نحو 20 مستوطنًا وبدؤوا يضربونني بكعب المسدس وجرّدوني من ملابسي، كنتُ خائفًا جدًّا توقّعت أن يقتلوني" يُضيف إيهاب.
وقبل وصول الأهالي لفُكاكه من بين أيديهم بلحظات، غاب إيهاب عن الوعي ولم يعد يشعر بشيء إلا بعصيٍّ تتكسّر على جسده.
يروي بقية التفاصيل وهو يشدُّ على صوته من الألم: "فرّغوا علبة الفلفل بطريقة وحشية على وجهي، وكانوا يسحبون أجزاء المسدس عدة مرات أمامي، كنت في كلّ مرة أنطق الشهادتين، كانت اللحظات مرعبة جدًّا، ثم سحلوني في الشارع عشرات الأمتار، حتى أفقت ووجدت نفسي في المشفى".
نُقل إيهاب إلى مستشفى رفيديا في نابلس، وكانت الإصابات تملأ جسده، موضّحًا حالته الصحية: "ملأت الجروح كلّ أجزاء جسدي، خاصة في رأسي وظهري وقدمي، لم أستطع وضع رأسي على الوسادة وبقيت مستيقظًا طوال الليل".
والده أحمد حسن الذي يعمل سائقًا وصف الاعتداء على ابنه بـ"الجريمة البشعة"، مشيرًا إلى أنها تمّت برعاية جيش الاحتلال. يقول لـ"فلسطين": "اتصل ابني الآخر بي أثناء عملي يُخبرني باختطاف أخيه، فتوجّهت لمنطقة الحدث، منعنا الجنود من الاقتراب، وكان إيهاب مجرّدًا من ملابسه في مشهد إجرامي يرتكبه المستوطنون ويغطّي عليه الجنود".
وأضاف: "حاولت الاقتراب وأخبرت ضباط جيش الاحتلال أنني والده، فأشهروا عليّ السلاح ومنعوني".
يصف اللحظة الأولى التي شاهد فيها جسد نجله: "آثار السحل وهو عارٍ قشط جلده، وتسبّب بجروح كبيرة فيه، وبذل الأطباء جهودًا كبيرة حتى تعافَى من آثار الغاز والفلفل".
جرائم عديدة
لم تكن جريمة اختطاف إيهاب الأولى جنوب نابلس، ففي 15 مايو/ أيار 2022، اختطف حارس مستوطنة "يتسهار" الطالب بالصف الحادي عشر في مدرسة قرية "عوريف" عبد الرحيم كوكس من أمام مدرسته.
تُعيد جريمة اختطاف إيهاب وعبد الرحيم أذهان الأهالي للجرائم التي ارتكبتها عصابات المستوطنين في بلدة "دوما" في نابلس يوم أن حرقت منزل عائلة دوابشة في 31 يوليو/ تموز 2015 ما أدى إلى استشهاد الرضيع علي حرقًا في أثناء نومه، ثم لحقت به أمُّه ومن ثمّ أبيه.
وكذلك جريمة خطف الطفل المقدسي محمد أبو خضير من حيّ شعفاط بالقدس المحتلة وتعذيبه ثم إحراقه وهو على قيد الحياة على أيدي المستوطنين في 2 يوليو 2014، ولتفادي ذلك أنشأ الأهالي في قرى جنوب نابلس لجان حراسة لحماية الأهالي، في ظلّ غياب دور أجهزة أمن السلطة عن توفير هذه الحماية.
وأفاد الناشط بشار القريوتي بأنّ جنوب قصرة شهدت استشهاد ثلاثة مواطنين وإصابة نحو 100 آخرين بالرصاص الحيّ عبر سنوات طويلة.
وأكد القريوتي لـ"فلسطين" أنّ الجرائم المُرتكبة تتم بصورة منظمة من جماعات متطرفة، مبيّنًا أنّ المستوطنات المحيطة ببلدة قصرة والقرى في جنوب نابلس يسكنها عصابات "تدفيع الثمن" التي تُنفّذ عمليات ممنهجة وجرائم كبيرة لترهيب المواطنين.
وبيّن أنّ المنطقة التي اختُطف فيها إيهاب منطقة حساسة، ويحدث فيها مواجهات عنيفة بين الأهالي والمستوطنين الذين يحاولون تخويف المواطنين القاطنين في تلك المنطقة، لتفريغها من سكانها الأصليين وعدم السماح للأهالي بالسكن في مناطق قريبة من البؤر الاستيطانية.
مرات عديدة وثّق الناشطون محاولات المستوطنين خطف الأطفال وقتلهم، لكنّ يقظة الأهالي ولجان الحراسة، وفق القريوتي، تحول دون ارتكابهم هذه الجرائم البشعة.
ويعمل الأهالي في قصرة وقرى جنوب نابلس على توجيه إنذار سريع في حال الإبلاغ عن وجود مستوطنين، فتهبُّ لجان الحماية والحراسة وتستنفر المساجد عبر مكبرات الصوت، كما حدث في حادثة إيهاب، إذ أجبر الأهالي من خلال المواجهات العنيفة جيش الاحتلال على تخليصه من أيدي المستوطنين.
ويصف القريوتي الأوضاع في القرية بـ"الخطيرة" في ظلّ تزايد أعداد المستوطنين وإقامة بؤر استيطانية جديدة.
وشهدت الأعوام الثلاثة الماضية مستويات عنف مسجلة هي الأعلى في السنوات الأخيرة على أيدي المستوطنين ومنظمات الإرهاب اليهودي العاملة في وضح النهار بالضفة الغربية، وِفق معطيات فلسطينية، ففي الأشهر العشرة الأولى من عام 2021 سُجّل 410 اعتداءً، وفي عام 2020 سُجّل ما مجموعه 358 اعتداءً، وفي 2019 سُجّل 335 اعتداءً.