فلسطين أون لاين

تقرير أهالي "مسافر يطا" متشبثون بأرضهم حتى الرمق الأخير

...
الخليل/ غزة–فاطمة الزهراء العويني:

منذ فتح المواطن محمد محمود نجاجرة من قرية المركز في مسافر يطا عينيه على الدنيا وهو يشهد محاولات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة لتهجيره وذويه من أراضيهم التي ورثوها أباً عن جد.

وفي المغارات والكهوف وبلا أي نوعٍ من الخدمات يُجابه نجاجرة وغيره من المواطنين في جنوب مدينة الخليل "شبح التهجير" الذي بدأ في خمسينيات القرن الماضي، فلا يوجد أي نوعٍ من الاعتداءات إلا ومارسته وتمارسه سلطات الاحتلال لدفعهم الفلسطينيين لترك أراضيهم، وتوجت ذلك بقرار قضائي "ظالم" يسمح لجيش الاحتلال بتجريدهم منها لغايات عسكرية.

ففي الحادي عشر من مايو الحالي دهمت قوات الاحتلال الإسرائيلي بغتةً ودون سابق إنذار بيت نجاجرة وبيوت أشقائه وأعمامه وهدمت خمسة منها بالإضافة إلى خمسة "بركسات" للمواشي "في عملية إجرامية ألقت بنا في العراء"، يقول الرجل الذي ناهز العقد الخامس من عمره.

ويضيف: "للمرة الثالثة يهدمون بيوتنا، في المرة الأولى هدموها في عام 2017م، والثانية العام الماضي، لم تمضِ ستة أشهر حتى عاودوا هدمها مجدداً، يضغطون علينا بكل قوتهم بهدف ترحيلنا من أرضنا، وتحويلها لمناطق تدريبات عسكرية لجيشهم".

وتوقع نجاجرة أن تزداد وتيرة الاستهداف الإسرائيلي لهم بعد قرار "محكمة العدل الإسرائيلية" برفض الالتماس الذي قدمه أهالي القرية مع سبع قرى أخرى في المنطقة لإثبات ملكيتهم لأرضهم، "رغم أننا نملك كل الأوراق الثبوتية، وتوارثنا الأرض أبا عن جد لكن قضاءَهم الظالم حكم لهم بملكية الأرض!".

ادعاء باطل

وإذ يبين نجاجرة أن ادعاء الاحتلال بجيشه وقضائه باطل، والهدف منه السيطرة على الأرض وترحيلهم منها بشكل كامل، "لكننا مستعدون للموت على ترك أرضنا، لن نكرر سيناريو "خيام النكبة الفلسطينية" مهما كان الثمن".

فقد تحمل نجاجرة ومواطنو القرية كثيراً من الأذى فهُدمت بيوتهم مراراً وأُلقي بهم في العراء، قُطعت عنهم المياه، والكهرباء، سُرقت مواشيهم ومحاصيلهم، وأغلقت طرقهم، وعاشوا في المغارات والكهوف لكنهم مصممون على ألا تكون أرضهم "فريسة للاستيطان" مهما كلفهم ذلك من ثمن.

بداية حقيقة التهجير

ولا يختلف الأمر كثيراً لدى المواطن نضال يونس "46 عاماً" من قرية "جندة" في مسافر يطا الذي عايش في عام 1985م هدم الاحتلال بيوت القرية المبنية منذ أربعينيات القرن الماضي الأمر الذي كان وفقاً لرأيه البداية الحقيقية للتهجير.

فـ"جندة" واحدة من 12 قرية في المسافر يحاول الاحتلال إخلاءها من سكانها يقارب عددهم حالياً 2000 مواطن، "ورغم أننا نعيش فيها منذ أيام الحكم العثماني، لكن لكونها قريبة من الخط الفاصل بين الأراضي المحتلة عام 67 والداخل المحتل عام 48، فإن أطماع الاحتلال فيها برزت منذ عام 1951م.

وإذ يبين يونس أن الاحتلال هاجم المنطقة عدة مرات بشكل واسع في 1954 و1966م، ومن ثمّ كثف من الهجمات عليها بعد احتلاله الضفة الغربية عام 1967م، "لكونها تقع في نهاية جبال الخليل وقريبة من تلال النقب فهم يرون فيها خطراً يتوسط فلسطين التاريخية".

والترابط العائلي بين أهل "المسافر" وأهل النقب -وفق يونس- يجعل الاحتلال يشعر بوجود خطر استراتيجي على وجوده في المنطقة، كونه لم يستطع بتاتاً إخضاع المنطقتيْن لنفوذه وما زالتا تحت حكم "شيوخ العشائر" الرافضين للهجرة من أراضيهم.

وإذ يبين أن كون منطقة المسافر مرتفعة بالنسبة للنقب وتكشف كل المنشآت الإسرائيلية الاستراتيجية فيه، جعله مصمماً على تهجير أهلها فأعلنها منطقة "إطلاق نار" (تدريبات عسكرية) عام 1980م، ولم يكتفِ بذلك فاستوطن المنطقة المنخفضة من المسافر "بحجة أنها أراضي دولة" وأنشأ فيها جداراً استيطانياً يحيط بمستوطناته منطقة عسكرية – تهجير السكان- ضمها لـ(إسرائيل)، رافق ذلك إقامة جدار استيطاني " على مستوطنات " بيت يتير، كرمل، ماعون وسوسيا" والبؤر الاستيطانية الأخرى التي أقامها على أراضي المواطنين.

والآن فالاحتلال تبقى لديه السيطرة على المنطقة المرتفعة من "المسافر" (مساحتها أكثر من 60 ألف دونم)، "وفي سبيل ذلك فعل كل ما يمكن أو لا يمكن تخيله للسيطرة عليها، فقد أبقاها مهمشة، ومنع إقامة البنى التحتية، حاولنا إقامة شبكة مياه فدمرها، ودائما يصادر الخلايا الشمسية التي تزودنا بالكهرباء"، يقول يونس.

ويضيف: "حينما صودرت الجرارات الزراعية ومواشينا، وهدمت بيوتنا، عشنا في الكهوف والخرب، لم نسلم يوماً من اعتداءات المستوطنين وجيش الاحتلال، تأقلمنا مع كل الظروف والعقبات التي وضعوها في طريقنا ولم نرحل". 

ويتابع: "وفي عام 2000 حاصرونا بالجرافات وحاولوا تهجيرنا، فلجأنا لقضائهم الذي ندرك تماماً أنه لن ينصفنا، قدمنا مئات الإثباتات على ملكيتنا للأرض. 22 عاماً ونحن ندور في أروقة محاكمهم وفي النهاية رفضوا كل ما قدمناه ودون أي دليل معهم حكموا بمصادرة الأرض لصالح تدريبات جيشهم.

ويمضي بالقول: "كل ما يريدونه هو تهجيرنا، لكننا لن نرحل، فهذه أرضنا التي لن نتخلى عنها مهما فعلوا، قدمنا 22 شهيداً خلال نضالنا للتشبث بالأرض، ومستعدون للشهادة جميعاً على ترك الأرض لهم".

يذكر أن ما يسمى بـ"المحكمة العليا" الإسرائيلية في القدس المحتلة رفضت التماساً مقدماً من أهالي ثمانية تجمعات سكنية في مسافر يطا جنوب الخليل بالضفة الغربية المحتلة في 5 مايو، ضد قرار الاحتلال إعلانها مناطق "إطلاق نار"، ما يعني هدمها وتهجير أهلها.