أصدر عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، الخميس، مرسوما يقضي بالموافقة على تقييد اتصالات أخيه غير الشقيق، الأمير حمزة، وإقامته وتحركاته.
جاء ذلك في رسالة مكتوبة وجهها الملك عبد الله إلى الشعب الأردني، وأوردها الديوان الملكي، في بيان، تلقت الأناضول نسخة منه.
وقال الملك في رسالته: "أكتب إليكم آملاً بطي صفحة مظلمة في تاريخ بلدنا وأسرتنا".
وتابع: "كما تعلمون، عندما تم كشف تفاصيل قضية الفتنة العام الماضي، اخترت التعامل مع أخي الأمير حمزة في إطار عائلتنا، على أمل أن يدرك خطأه ويعود لصوابه، عضوا فاعلا في عائلتنا الهاشمية".
واستدرك: "لكن، وبعد عام ونيف استنفد خلالها كل فرص العودة إلى رشده والالتزام بسيرة أسرتنا، فخلصت إلى النتيجة المخيبة أنه لن يغير ما هو عليه".
وفي 4 أبريل/ نيسان 2021، أعلنت عمان أن "تحقيقات أولية" أظهرت تورط الأمير حمزة مع "جهات خارجية" في "محاولات لزعزعة أمن البلاد" و"تجييش المواطنين ضد الدولة"، وهو ما نفى الأمير صحته.
وأضاف الملك: "ترسخت هذه القناعة لدي بعد كل فعل وكل كلمة من أخي الصغير الذي كنت أنظر إليه دائما نظرة الأب لابنه".
وأردف: "تأكدت بأنه يعيش في وهم يرى فيه نفسه وصيا على إرثنا الهاشمي، وأنه يتعرض لحملة استهداف ممنهجة من مؤسساتنا، وعكست مخاطباته المتكررة حالة إنكار الواقع التي يعيشها، ورفضه تحمل أي مسؤولية عن أفعاله".
واعتبر الملك، أن أخيه حمزة "يتجاهل جميع الوقائع والأدلة القاطعة، ويتلاعب بالحقائق والأحداث لتعزيز روايته الزائفة، وللأسف، يؤمن أخي حقا بما يدعيه".
وتابع: "الوهم الذي يعيشه ليس جديدا، فقد أدركت وأفراد أسرتنا الهاشمية، ومنذ سنوات عديدة، انقلابه على تعهداته وتصرفاته اللاّمسؤولة التي تستهدف بث القلاقل، غير آبهٍ بتبعاتها على وطننا وأسرتنا (..)".
وبين بأن حمزة "يقدم مصالحه على الوطن بدلا من استلهام تاريخ أسرته وقيمها ويتجاهل الحقائق، وينكر الثّوابت، ويتقمص دور الضحية (..) التمست له الأعذار على أمل أنه سينضج يوما لكن خاب الظّن مرة تلو المرة".
وزاد: "لم تكن قضية الفتنة في نيسان (إبريل) من العام الماضي بداية لحالة ضلال حمزة، فقد اختار الخروج عن سيرة أسرته منذ سنين طويلة".
واستشهد الملك على ذلك بقوله إن حمزة "ادعى أنه قبل قراري الدستوري (إعفاء حمزة من ولاية العهد)، بإعادة ولاية العهد إلى قاعدتها الدستورية الأساس".
وأضاف: "لكن أظهرت كل تصرفاته منذ ذلك الوقت غير ذلك حيث انتهج سلوكا سلبيا، بدا واضحا لكل أفراد أسرتنا، وأحاط نفسه بأشخاص دأبوا على ترويج معارضة القرار من دون تحريك ساكن لإيقافهم".
وأعفى الملك عبد الله، عام 2004، أخيه حمزة من ولاية العهد، وقال آنذاك إنه يرغب في منحه مزيدا من "حرية الحركة للقيام بمهام رسمية تتعارض مع موقعه الرمزي".
وبعد خمس سنوات، عيَّن الملك نجله البكر الأمير الحسين وليا للعهد، وهو في الخامسة عشر من عمره.
ولفت الملك، إلى أن حمزة "فضل على الدوام أن يعامل الجميع ممن حوله بشك وجفاء، مواصلا دوره في إثارة المتاعب لبلدنا، ومبررا عجزه عن خدمة وطننا وتقديم الحلول الواقعية لما نواجه من تحديات بأنه محارَب ومستهدف".
وقال: "حاولت، وحاول أفراد أسرتنا مساعدته على كسر قيد الهواجس التي كبّل نفسه بها، ليكون فردا فاعلا من أفراد أسرتنا في خدمة الأردن والأردنيين، وعرضت عليه مهمات وأدوارا عديدة لخدمة الوطن، لكنه قابل كل ذلك بسوء النوايا والتشكيك".
واستطرد الملك: "لم يقدم يوما إلا التذمر والشعارات المستهلكة، ولم يأت لي يوما بحل أو اقتراح عملي للتعامل مع أي من المشاكل التي تواجه وطننا العزيز، وكان الاقتراح الوحيد الذي قدمه الأمير حمزة هو توحيد الأجهزة الاستخبارية لقواتنا المسلحة جميعها تحت إمرته، متجاهلا عدم منطقية اقتراحه، وتناقضه مع منظومة عمل قواتنا المسلحة".
ومضى قائلا: "دعوت الله عز وجل أن يخرج حمزة من عزلته في كل مرة اعتصرني الألم، وأنا أجد مكانه خاليا في مناسباتنا الوطنية والأسرية، لكنه فضل الإثارة التي تطرح الأسئلة حول غيابه علها تقوي صورة الضحية التي افتعلها على القيام بواجباته الأسرية والوطنية".
ودلل الملك على ذلك، بأن حمزة "أبى حتى المشاركة في مراسم تشييع جثمان عمنا الأكبر المغفور له سمو الأمير محمد بن طلال لتسجيل موقف شخصي في لحظة عائلية تستدعي التضامن والمواساة".
وفي 29 إبريل/ نيسان الماضي، توفي الأمير محمد بن طلال، عم الملك عبد الله وممثله الشخصي، عن عمر ناهز 81 عاما، والتي لم يظهر حمزة في مراسم تشييعه.
ورأى الملك، أن حمزة "منذ وأد محاولة الفتنة العام الماضي في مهدها نجده اليوم، بعد كل ما أتيح له من وقت لمراجعة الذات والتصالح مع النفس، على ما كان عليه من تيه وضياع".
وقال: "لم أر منه إلا التجاهل للحقائق ولكل ما ارتكب من أخطاء وخطايا ألقت بظلالها على وطن بأكمله، وكان ذلك جليا في رسالته الخاصة التي أرسلها لي في الخامس عشر من شهر كانون الثاني (يناير) الماضي".
وأضاف الملك: "لم أجد في تلك الرسالة إلا التحريف للوقائع والتأويل والتجاهل لما لم ينسجم مع روايته للأحداث، لا بل ذهب به الخيال حد تقويلي ما لم أقله قط".
وتابع: "حرف ما دار بينه وبين رئيس هيئة الأركان المشتركة (قائد الجيش يوسف حنيطي)، مدعيا زيارته لمنزله بشكل مفاجئ، في حين جاء اللقاء في الزمان والمكان اللذين حددهما هو".
ووصف الملك في رسالته رئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله بـ"خائن الأمانة".
وقال: "قدم (حمزة) سردا مشوها عن دوره في قضية الفتنة، متجاهلا ما تكشف للملأ من حيثيات لعلاقته المريبة واتصالاته مع خائن الأمانة باسم عوض الله، وحسن بن زيد، الذي كان يعلم أخي جيدا أنّه طرق أبواب سفارتين أجنبيتين (لم يحددهما)، مستفسرا عن إمكانية دعم بلديهما في حال ما وصفه بحدوث تغيير في الحكم".
وقضت محكمة أردنية في يوليو/ تموز 2021، بسجن كل من رئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله والشريف عبد الرحمن حسن بن زيد، المتهمين الرئيسيين في القضية المذكورة، 15 عاما مع الأشغال المؤقتة.
وأضاف الملك: "خرج أخي (حمزة) عن تقاليد أسرتنا كلها وعن قيمنا الأردنية، وأساء لمكانته كأمير هاشميّ حين خرق أبسط مبادئ الأخلاق وحرمة المجالس بتسجيله لوقائع لقائه مع رئيس هيئة الأركان سرا، ليرسله فورا إلى باسم عوض الله، ومن ثم سارع لبث تسجيل مصور للإعلام الخارجي، في سلوك لا يليق بوطننا ولا بأسرتنا".
وفي الرابع من إبريل 2012، نشر الأمير حمزة تسجيلا مصورا، قال فيه: "تلقيت زيارة من رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الأردنية (حنيطي) صباح اليوم السبت".
وقال الأمير حمزة: "أبلغني (حنيطي) خلالها أنه لا يسمح لي بالخروج والتواصل مع الناس أو لقائهم، لأنه في الاجتماعات التي كنت حاضرا فيها، أو على وسائل التواصل الاجتماعي المتعلقة بالزيارات التي قمت بها، كانت هناك انتقادات للحكومة أو الملك".
وتابع: "لست الشخص المسؤول عن انهيار الحكم والفساد وعدم الكفاءة التي كانت سائدة في هيكلنا الحاكم منذ 15 إلى 20 عاما، وتزداد سوءا، ولست مسؤولا عن قلة إيمان الناس بمؤسساتهم".
وبين الأمير حمزة في حينه، أن جميع موظفيه "اعتقلوا"، فيما وُضع هو وعائلته قيد الإقامة الجبرية في قصر السلام خارج عمان، وتم تقييد اتصالاته.
وبعد أن تتطرق الملك لبعض "تجاوزت" الأمير حمزة، أكد في رسالته، بأنه "لا وقت نضيعه في التعامل مع تقلبات الأمير حمزة وغاياته، فالتحديات كبيرة، والصعاب كثيرة، وعملنا كله منصب على تجاوزها، وعلى تلبية طموحات شعبنا وحقه في الحياة الكريمة المستقرة".
وبناء على ما سبق، قال الملك: "قررت الموافقة على توصية المجلس المشكل بموجب قانون الأسرة المالكة، بتقييد اتصالات الأمير حمزة وإقامته وتحركاته، والتي رفعها المجلس لنا منذ 23 (ديسمبر) كانون الأول الماضي، وكنت قد ارتأيت التّريث في الموافقة عليها لمنح أخي حمزة فرصة لمراجعة الذّات والعودة إلى طريق الصّواب".
ولم يستبعد الملك رد فعل من أخيه الأمير، حيث أشار أنه "بالنظر إلى سلوك الأمير الهدام، فإنني لن أفاجأ إذا ما خرج علينا بعد هذا كله برسائل مسيئة تطعن بالوطن والمؤسسات، لكنني وكل أبناء شعبنا لن نهدر وقتنا في الرد عليه، لقناعتي بأنه سيستمر في روايته المضللة طوال حياته".
وختم بالقول: "سنوفر لحمزة كل ما يحتاجه لضمان العيش اللائق، لكنه لن يحصل على المساحة التي كان يستغلها للإساءة للوطن ومؤسساته وأسرته، ومحاولة تعريض استقرار الأردن للخطر، فالأردن أكبر منا جميعا، ومصالح شعبنا أكبر من أي فرد منه".
وشدد الملك على أنه "لن يرضى بأن يكون الوطن حبيس نزوات شخص لم يقدم شيئا لبلده، وبناء على ذلك سيبقى حمزة في قصره التزاما بقرار مجلس العائلة، ولضمان عدم تكرار أي من تصرفاته غير المسؤولة، والتي إن تكررت سيتم التعامل معها".
وأضاف: "أما أهل بيت الأمير حمزة، فلا يحملون وزر ما فعل، فهم أهل بيتي، لهم مني في المستقبل كما في الماضي، كل الرعاية والمحبة والعناية".
وفي 3 إبريل الماضي، أعلن "الأمير" حمزة تخليه عن لقب أمير، معتبرا أن قناعاته لا تتماشى مع "النهج والتوجهات والأساليب الحديثة" في مؤسسات المملكة.