فنلندا تعبر عن قلقها مما يحدث بأوكرانيا، من غزو القوات العسكرية الروسية لها وما نتج عنه من تدمير وقتل وتشريد لملايين اللاجئين الأوكرانيين، لتحقيق أهداف روسيا في التوسع وإعادة أمجاد امبراطوريتها السوفيتية، فما جري لأوكرانيا لم يكن مردعا لها من عدم الانضمام إلى حلف الناتو، بل أصبح حافزًا لها فقال الرئيس الفنلندي بأن بلاده لديها حدود بطول 1300كم مع روسيا، وهي تسعى للانضمام لحلف الناتو حتى تحقق ضمانات تحمي من خلالها نفسها من الغزو والأطماع الروسية عبر نشر قوات وسلاح حلف الناتو على أراضيها، وأن قرار الانضمام قرار سيادي لها ولا يحق لأي دولة منعها أو التأثير على قرارها.
فرحبت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بذلك الطلب، واعتبراه خطوة بالاتجاه الصحيح نحو حماية فنلندا والسويد نفسهما من الأطماع الروسية بالالتجاء والاحتماء بحلف الناتو، وأبدت الولايات المتحدة استعدادها تسريع إجراءات الانضمام حتى لا تأخذ وقت طويلاً، لكي لا تحدث عراقيل مفاجئة تمنع ذلك أو تؤدي إلى تغير الطلب، وتهدف الولايات المتحدة وبريطانيا من ذلك محاصرة النفوذ الروسي والاقتراب منها أكثر عبر نشر قوات وسلاح حلف الناتو على حدودها الشمالية، كما فعلت على حدودها الشرقية من خلال أوكرانيا، وبذلك تعمل على عملية استنزاف أكثر لروسيا في شتى المجالات العسكرية والاقتصادية، وانهيارها للمحافظة على قيادة العالم من خلال سياسة القطب الواحد.
أما تركيا وهي تعتبر ثاني أكبر دولة تمثيلاُ وتواجداً عديداً وعتاداً في حلف الناتو ورأيها له أهمية كبيرة ويؤخذ بعين الاعتبار، فقال وزير الخارجية مولود تشاويش أوغلو: أن بلاده تدعم سياسة الأبواب المفتوحة للحلف، وأن تركيا لا تمنع انضمام أي دولة للحلف، لكنها تعارض ضم دول تدعم الإرهاب، فلذا علّلت أنقرة أن مخاوفها من قبول طلب انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو تكمن في أنهم داعمون لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا بأنه حزب إرهابي معادٍ لتركيا، بل وأن أعضاء في الحزب وناشطين منه يتبوؤون مناصب مرموقة في تلك الدولتين، وتقول أنه يجب على دول أعضاء الحلف أن تكون مواقفها الأمنية والعسكرية منسجمة تماماً مع مخاوف ورؤى ومواقف دول أعضاء الحلف وعدم التسبب في مشاكل أمنية لتلك الدول، وتقول أنقرة أن مرد مخاوفها من تجارب سابقة، مع السماح لانضمام اليونان إلى حلف الناتو التي تسببت في زعزعة استقرار تركيا.
فلذا طلبت تركيا من تلك الدول نبذ حزب العمال الكردستاني وإعلانه حزباً إرهابياً، بل وتسليم أعضائه الموجودين في تلك الدول إلي تركيا والكشف عن خلاياه وموارده المالية والعسكرية.
لكن روسيا تتهم الدول الغربية بمحاولة عسكرة شمال أوروبا، عبر ضم دولها إلى حلف الناتو لجعلهم في مواجهة روسيا، فموسكو التي عبرت عن موقفها مراراً وتكراراً برفضها انضمام فنلندا تحديداً التي لها حدود 1300كم معها إلى حلف الناتو، وجاء ذلك واضحاً من اتصال الرئيس الروسي فلادمير بوتين أمس السبت برئيس فنلندا، محذراً له من تخلي فنلندا عن حيادها العسكري والانضمام إلى حلف الناتو قائلاً له بأن روسيا لا تمثل خطراً على فنلندا، حتى تقوم بوضع حلف الناتو على حدودها، والذي تعتبره روسيا حلفًا عسكريًا معاديًا لها، مما سوف يجبر روسيا على اتخاذ خطوات تقنية وعسكرية تجاه فنلندا بهدف كبح جماحها، وضمان أمنها في الشمال، كما حدث مع أوكرانيا في الشرق، فعملت على نشر وتمركز العديد من القوات العسكرية على حدودها الشمالية.
وأيضاً تحذير وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف: حيث قال بأن كل العام سوف يدفع ثمن هذه الحرب الهوجاء التي يصر الغرب على القيام بها.
وبناءً على ما سبق من تحليل للمواقف نستطيع أن نستنتج مجموعة من النتائج:
- أن حرب روسيا على أوكرانيا لم تكن رادعة لدول جوار روسيا من طلب الانضمام لحلف الناتو بل تحول إلى حافز لهم لحماية أنفسهم.
- السعي الدائم للولايات المتحدة وبريطانيا إلى حصار نفوذ روسيا ووضع حلف الناتو على حدودها والاستمرار باستنزافها.
- تقاطعت مصلحة روسيا الاتحادية مع الدولة التركية حتى في شمال أوروبا.
- إقدام روسيا واستعدادها الدائم على حماية نفسها من الخطر الوجودي المتمثل في وجود حلف الناتو على حدودها سواء الشرقية "أوكرانيا" أو الشمالية "فنلندا".