فلسطين أون لاين

تقرير يوم رأت "حياة" اللحام "أبو إلياس" غارقًا في دمه

...
حياة اللحام
صيدا/ انتصار الدنان:

طلبت منها أمها الذهاب إلى ملحمة اللحام "أبو إلياس"، لشراء اللحم لها، لتعد الطعام، فعاندتها ورفضت ذلك، متحججة بأنها لن تستطيع حفظ ما طلبته منها، فكتبت لها أمها في ورقة ما تريده وأعطتها إياها، وتوجهت إلى دكان أبي إلياس.

دخلت حياة إلى الدكان، فوجدته مرميًّا على الأرض، ملطخًا بالدماء، اقتربت منه، ووضعت يدها على يده فتلطخت يدها بدمائه، فخافت وركضت نحو بيتها، فاستقبلتها أمها سائلة إياها: "أين اللحم؟"، فأجابتها بأن أبا إلياس مات، كانت يداه ورجلاه ملطخةً بالدماء، كان على الأرض ساكنًا، لا يتحرك، فأدركت أمها خطر اليهود.

خرجت حياة نمر أبو زيان من طبريا وهي في العاشرة من عمرها، "فنحن من بلدة سعسع بفلسطين، لكني ولدت في طبريا وبقينا فيها إلى أن لجأنا إلى لبنان، وكان والدي وأعمامي لديهم سيارات كبيرة لنقل الركاب من مكان إلى آخر".

كنا في طبريا نعيش مع اليهود، وكانوا يحبوننا كثيرًا، لكن بعد حادثة "أبي إلياس" أدرك أهل البلدة بأن اليهود سيدخلون على بيوتنا ويخرجوننا منها. وعندها قررنا الخروج من طبريا، سحبتني أمي من يدي وحملت أخي الصغير، وتوجهنا نحو بلدة سعسع، وعندما وصلنا إلى سعسع، سألت أمي عن الطبلة الخاصة بي، فأجابتني بأنها تركت الذهب فيها في البيت، لأننا سنعود إلى البيت عندما يستتب الأمر.

ازداد بطش اليهود، وبدؤوا الاعتداء على كل بلدة، فركبنا سيارة الشحن الخاصة بوالدي، والتي كان يقودها أخي وتوجهنا نحو لبنان. تركنا كل ما نملك في بيتنا، لأن أمي كانت متأكدة من أننا سنرجع إلى فلسطين. وصلنا إلى بلدة رميش جنوب لبنان، بتنا ليلة في الشارع، في اليوم التالي توجهنا نحو منطقة فيها مغارة لم أعد أذكر اسمها، شعرنا بالجوع، وكانت خالتي قد أخرجت معها بعض الطحين، فعجنت أمي وخبزنا العجين على صاجة من حديد وأكلنا.

في اليوم التالي توجهنا إلى مدينة صور، جنوب لبنان، ثم إلى القرعون، ومنها نحو مخيم نهر البارد، شمال لبنان.

تتابع، في مخيم نهر البارد قدمت لنا "الأونروا" شادرًا كبيرًا، لأن عدد أفراد أسرتنا كان كبيرًا، وضع أبي الطين حول الشادر ومتَّنه في الأرض، لكني لم أكن أحب شادرنا، لأنه كبير، فقد كنت بشكل دائم أغافل أمي وأهرب إلى شادر جيراننا، لأنه صغير، وعندما تسألني أمي عن السبب، أخبرها بأنه دافئ.

تضيف، مع الوقت بدأ الناس يبنون الشوادر بالطين والحجارة حتى لا تطير الشوادر، وعشنا فيها مدة طويلة، وكنت دائمًا أقول لأمي: "لا أرغب بالبقاء في هذا الشادر، فتقول لي:" أتريدين قصرًا؟".

كانت الأونروا في ذلك الوقت تقدم لنا الحليب، والخبز الإفرنجي الكبير، والمعلبات، عمي التحق بالثورة، وأبي عمل بالمجرفة، وإخوتي عملوا على الشحن الذي خرجنا فيه من فلسطين، فصاروا ينقلون عبره البضائع.

أما عن التعليم، فقالت: "لقد تعلمت وإخوتي حتى حصلت على الشهادة المتوسطة، لم يكن التعليم كما هو عليه اليوم، ففي زماننا كل شيء كان أفضل، كان التعليم أفضل من اليوم. عندي أخ صار أستاذًا، وأخي الثاني الذي عمل سائقًا للشحن هو الذي كان يوفر لنا مصاريفنا".

وعن انتقالها للعيش في مخيم برج البراجنة ببيروت، قالت: "لقد تزوجت في مخيم نهر البارد، لكن عمل زوجي كان في بيروت، فأشار عليّ أن ننتقل للعيش في بيروت، لأنه لا يمكننا الاستمرار على هذا الوضع، وبالفعل وافقت على طلبه بعد أن عارضت والدته على الأمر، لكن زوجي أصر على ذلك، فانتقلنا للعيش في مخيم برج البراجنة، وما زلنا نقيم في المكان ذاته حتى اليوم.

تضيف، بعد أن انتقلنا للعيش في مخيم برج البراجنة صرت أعمل لأساعد زوجي، كنت أعد المغربية، وألف الشوكولا، وبهذه الطريقة استطعنا أن نبني بيتنا.

تقول: "ليتني أعود إلى فلسطين، لكني لا أظن ذلك، فلقد ذهبت إلى الجنوب مرتين، وشاهدت فلسطين عبر بوابة فاطمة، ومن هناك أخذت حفنة من تراب فلسطين، وعيدان من شجر الزيتون، كما أحضرت ورق غار.

هناك تقابلت أعداد كبيرة من الناس مع بعضها بعضًا، نحن كنا داخل الشريط الحدودي في لبنان وهم داخل الشريط في فلسطين، لكني لم أقابل أحدًا من أقربائي، لكني بقيت أنظر في تلك الوجوه التي كان يملؤها الفرح لأنها تقابلت مع أقرباء لها بعد مرور تلك السنين في اللجوء.