فلسطين أون لاين

​بسبب إغلاق المعبر

الشوق و"المستقبل".. مطرقةٌ وسندان يرهقان المُغترب الغزّيّ

...
غزة - مريم الشوبكي

شعور الغربة نارٌ تشعل الفؤاد دائما، ولا تنطفئ جذوتها إلا برؤية الأهل، ولكن غربة الفلسطيني توجب عليه أن يعاني اشتعال جذوتها لفترات طويلة، وخاصة في قطاع غزّة، فالمغترب الغزي حينما يشتاق لعائلته، يجد نفسه بين نارين، إذ عليه أن يختار بين البقاء بعيدا حتى يحافظ على إقامته وعمله، أو أن يجازف ويُقر عينه برؤية الأهل، ويكون معرّضًا لأن يبقى حبيس الحدود المغلقة.

عائلات مرّت على غربتها عشرات السنوات، دون أن تجتمع بمن بقي منها في غزة، وخلالها يعيش المغترب أو أهله ظروف فرح وترح، دون القدرة على التشارك فيها، وفي ظل هذا الألم، تبقى آمال الغزيين مُعلّقة على فتح أبواب معبر رفح البري بشكل متواصل، وأن يصبح التحرك عبر معبر بيت حانون سهلا وبلا منع أمني.

في هذا التقرير، ترصد "فلسطين" معاناة بعض الغزيين مع الغربة..

خسروا سنة دراسية

"أم مجد سلامة" لا تزال تنتظر، منذ ثلاث سنوات، فتح معبر رفح لكي تسافر إلى قطر لرؤية أهلها، الذين لم يتمكنوا من المجيء إلى القطاع منذ عشر سنوات، بسبب إغلاق المعبر.

قالت سلامة (36 عاما) لـ"فلسطين": "قررت السفر في الإجازة الصيفية إلى أهلي، ولكن إغلاق معبر رفح طال، وتضاءلت فرص الزيارة، وفي المقابل تتمنى عائلتي المجيء إلى هنا، ولكن يؤرقهم الخوف من أن يبقوا عالقين في غزة، فهناك حياتهم بما فيها ووظائف وإقامات يمكن أن تنتهي إذا لم يحالفهم الحظ بالعودة".

وأضافت: "بعد الحرب الأخيرة عام 2014، سافرت برفقة أولادي إلى قطر، ولكن زوجي قرر البقاء في غزة، وكانت المدة المقررة لبقائي هناك شهرين فقط، أي فترة الإجازة الصيفية، ولكن ما حدث أن معبر رفح أُغلق لأشهر طويلة، وخسر أولادي سنة دراسية، وهذا سبب مشاكل كبيرة بيني وبين زوجي، وحتى الآن حينما أخبره برغبتي في السفر، لا يروق له الأمر البتة، بسبب المعبر ومستقبل أبنائه".

3 سنوات

"أم يزن القاضي"، كانت تقيم مع أهلها في الإمارات، تزوجت في القطاع، وبقيت عائلتها في الغربة، مضت الأيام لتصل إلى 28 سنة دون أن ترى فيها وجه أمها.

وقالت القاضي لـ"فلسطين": "لا أستطيع السفر، فلدي عائلة لا يمكنني تركها في حال أغلق المعبر لفترات طويلة ولم أتمكن من العودة، كما أن والدتي أصبحت كبيرة في السن ولا تستطيع القدوم إلى غزة".

أما "ريم الحوراني" فلهفة الحنين والشوق هي لأخيها الذي يقيم في الإمارات، تزوج هناك، وُرزق بأبناء، ولم تشاركه عائلته أفراحه، ويتحرق شوقا لرؤية أهله، ولكن معبر رفح يحول دون ذلك.

تحدثت ريم لـ"فلسطين": "نشتاق لرؤية أخي، وهو كذلك، ولكن ما يمنعه من زيارتنا هو خوفه من أن يبقى عالقا ويخسر مستقبله، ونحن أيضا نخشى السفر خوفا من إغلاق المعبر".

وأوضحت: "شقيق زوجي يعاني من المشكلة ذاتها، فزوجته وأبناؤه جاؤوا إلى غزة قبل ثلاث سنوات، لترى هي أهلها، ويرى الأحفاد أجدادهم، ومنذ ذلك الحين لا زالوا عالقين في القطاع، ولم يتمكنوا من السفر عبر معبر رفح".

قبل سبع سنوات، تزوجت "داليا الوحيدي" في المملكة العربية السعودية، ومنذ ذلك الحين تذرف الدموع اشتياقا لرؤية أهلها، ولكن ظروف المعبر تحول دون أن تجتمع بهم.

انتهت الإقامة

فيما لم تتمكن شقيقة "ميسون عوض" هي وزوجها منذ ست سنوات من رؤية عائلتيهما، لأنهما تعرفان أن مصيرهما سيكون البقاء في غزة، وبالتالي ستضيع وظائفهما وسينتهي مستقبلهما.

قالت عوض: "أختي مغتربة في قطر، في آخر زيارة لها أُغلق معبر رفح وطال إغلاقه، وكادت أن تفقد وظيفتها لأنها تأخرت أسبوعا عن عملها، ولكنها في النهاية تمكنت من السفر وأن تحافظ على وظيفتها".

وكان إغلاق معبر رفح المتكرر سببا في انتهاء مدة الإقامة لدى "سماح صافي"، ولا زالت تُمني نفسها، بعد خمس سنوات، أن تسافر وتجتمع بعائلتيها، وألا تطول المدة عن ذلك.

"أنوار العطار" لم تقوَ والدتها على الانتظار أكثر من 13 عاما أمضتها بعيدة عن ابنتها، وفي نهاية العام الماضي قررت المجازفة والقدوم إلى غزة، ولكنها الآن تعاني بسبب انتهاء إقامتها بعد مضي ثمانية شهور على تواجدها في غزة، فهي كغيرها قد حال إغلاق معبر رفح دون سفرها لكي تجدد إقامتها.

مغتربة في بلدها

أما فاطمة العديلي (28 عاما)، فأصبحت مغتربة في بلدها فلسطين، بسبب الفصل ما بين الضفة وقطاع غزة.

روت العديلي قصتها لـ"فلسطين": "وُلدت في نابلس، قدمنا إلى غزة في عام 1994م، وعشنا فيها، وكنا نزور الضفة كل فترة، ولكن بعد منذ عشر سنوات أصبحت الزيارات مستحيلة".

وقالت: "في2010 تمكّن أهلي من الحصول على تصريح عودة للضفة مع عدم الرجوع إلى غزة، ولأنني متزوجة هنا، لم أتمكن من الذهاب معهم، ومنذ سبع سنوات أحاول إصدار تصريح لزيارتهم في نابلس، ولكن كل محاولاتي فشلت".

وأضافت العديلي: "الفترة التي لم أرَ أهلي خلالها ليست بسيطة، الصغار كبروا، والكبار تدهورت صحتهم، وهناك من تخرج من الجامعة، ولم أشاركهم مناسبات البتة، كما أنهم لم يروا أبنائي، وهم الأحفاد الوحيدون للعائلة".