فلسطين أون لاين

بكفين مبصرتين يعيد "عبد المعطي" المجد لكراسي القش

...
بسام عبد المعطي
بيت لحم-غزة/ مريم الشوبكي:

يسند بسام عبد المعطي هيكل الكرسي الخشبي إلى قدميه وهو جالس، ويلف بكفيه أحبال "القش" مرة أفقيًا وأخرى رأسيًا، في أثناء ذلك يتحسس كل حبل جيدًا حتى يتأكد أنه قد وضعه في مكانه الصحيح ولم يترك فراغًا يؤثر في متانة الكرسي.

ورغم إعاقته البصرية فإن عبد المعطي يتقن صناعة كراسي القش بمهارة عالية، ويكاد يكون الوحيد الذي يصنعها في منطقة التعامرة ببيت لحم، حيث تواجه تلك الصناعة الاندثار في ظل غزو الكراسي البلاستيكية الأسواق.

كراسي القش سادت في بيوت الفلسطينيين لسنوات طوال، وكانت جزءا من أثاثها، يعتمد الناس الجلوس عليها في البيوت، والمقاهي، والأماكن العامة، وكانت منتشرة في بلاد الشام منذ مئات السنين، ولكنها باتت نادرة في الوقت الحالي.

عبد المعطي (37 عامًا) الذي عانى منذ ولادته من صعوبة في البصر، لم يقف مكتوف الأيدي، فتعلم حرفة تتناسب مع إعاقته، فبدأ بصناعة مكانس القش، ومن ثم اتجه إلى الكراسي التي لاقى في صناعتها متعة كبيرة.

يقول عبد المعطي وهو يرتدي بكفيه قفازين أسودين لحمايتهما من جروح حبال القش: "منذ أن كان عمري 14 عامًا أعمل في صناعة المكانس وفرش الدهان، ومن ثم تعلمت صناعة كراسي القش في أحد المراكز التي تُعنى بذوي الإعاقة ووجدت فيها متعة أكبر، لأنها تعتمد على الدقة في اللمس أكثر من البصر، ولا سيما عند رص الخيوط فوق بعضها بعضًا".

ويتابع: "في شهر رمضان يقل الطلب على كراسي القش، لذا ألجأ إلى بيع الأواني البلاستيكية، والزجاجية على بسطة في السوق".

"الإعاقة لا تضيع طاقة" بهذه الجملة يؤكد عبد المعطي أن الإنسان يستطيع أن يفعل كل شيء، فالإعاقة لا تعيق العمل والنجاح، بل بالإرادة والتحدي، والإصرار يكمن النجاح في أي عمل مهما كان صعبًا، وشاقًا.

ويعمل عبد المعطي على تصنيع كراسي القش في بيته حسب طلبيات الزبائن، فلم يعد يستطيع صناعة كمية كبيرة وتسويقها بنفسه، لأن المواد الخام ارتفع ثمنها وباتت الأمر مكلفًا يفوق قدرته المادية المحدودة.

ويبين أنه يشتري الكرسي الخشب دون الأحبال لعدم توفر ماكينات لديه، ويكلفه 30 شيقلًا، أما ثمن كيلو أحبال الليف ارتفع من 20 إلى 35 شيقلًا للكيلو، ويبيع الكرسي الواحد كاملًا بعد التصنيع بـ75 شيقلًا.

مقصد لأصحاب المقاهي

والكراسي التي يصنعها عبد المعطي تلقى رواجًا من أصحاب المقاهي، ولاستخدامها في الحدائق، والساحات المنزلية وغالبيتهم من فلسطينيي الأراضي المحتلة 48 حيث لا يزالون يتمسكون بهذا التراث الذي يكاد يندثر، كما يوضح عبد المعطي.

ويلفت إلى أن الأشخاص المهتمين بالتراث، ويحافظون عليه، يقبلون على شراء كراسي القش لأنها جزء من التراث الفلسطيني القديم.

ويذكر أنه في البداية كان يستغرق ساعة وربع في صناعة كرسي واحد، ولكن اليوم بعدما احترف هذه الحرفة تنقضي ثلث ساعة ويكون الكرسي جاهزًا.

ويفيد عبد المعطي أن الأحبال المستخدمة هي أحبال مستخرجة من نبات الليف الطبيعي ويتم استيرادها من المكسيك، وتتميز بجودتها العالية، ومتانتها المرتفعة حيث يحمل الكرسي حتى وزن 300 كيلو، وعمرها طويل مقارنة بالكراسي البلاستيكية سهلة الكسر.

وعن الصعوبات والعقبات التي تواجه عبد المعطي، يذكر أن أهمها غلاء المواد الخام وارتفاع أسعارها في الآونة الأخيرة، وقلة الإقبال على شراء كراسي القش، وصعوبة التسويق لها.

وينبه عبد المعطي أنه ينتظر عقد المعارض حتى يتمكن من تسويق منتجاته فيها، حيث يتعرف على زبائن جدد لديهم شغف في شراء كل ما يتعلق بالتراث.

ويحلم بأن يكون لديه مشروعه الخاص، ولكنه يحتاج إلى من يتبنى مشروعه ويوفر له ماكينتي "كمبرس الهواء" و"الدريل" العمودي، حتى يتمكن من تصنيع الكراسي بداية من تجميع الخشب، حتى لف الأحبال.