فلسطين أون لاين

المسجد الأقصى.. حفريات من الأسفل وبوابات من أعلى (1-2)

لم يشهد المسجد الأقصى خطرًا داهمًا منذ الغزوة الصليبية كما يشهده هذه الأيام؛ فالصرخات الإسرائيلية من كل الجهات تملأ المكان, وروح المؤامرة تزكم الأنوف حيث تدعو للاستيلاء على المسجد الأقصى، أو على الأقل جزء منه لتحويله إلى كنيس لممارسة الصلوات فيه.


ويبدو أن عام 1967م وهو عام الاحتلال الإسرائيلي للقدس لم يشهد خطورة على المسجد الأقصى كما هي الخطورة هذه الأيام، صحيح أن الخطورة كلها تنبع من الاحتلال فهو مصدر الآثام جميعًا، لكن درجة الخطورة هذه الأيام هي أقوى وأعنف على المسجد الاقصى المبارك.


الوحيدون المتحدون حول القدس والمسجد الأقصى هم الإسرائيليون على اختلاف مشاربهم؛ فيسارهم ويمينهم ووسطهم متشددون على ما يسمى بجبل الهيكل كما قرأنا في محادثات كامب ديفيد وفي أدبياتهم التاريخية والدينية. والوحيدون الذين يملكون القوة العسكرية والأمنية والفعلية الطاغية في القدس وساحاتها هم الإسرائيليون؛ لذا يجب ألا يستبعد أي احتمال بالاعتداء على الأقصى، إما تحويله إلى كنيس يهودي أو هدمه لا سمح الله.


بداية دعونا نذكر أيضًا أن القدس تعوم على أنفاق وحفائر، وامتد هذا الأمر إلى سلوان، وتحديدًا حي وادي حلوة الذي اخترعوا له اسمًا جديدًا فكان حي مدينة داود. وقيل إن هذه الأنفاق والحفريات تعبر تحت الأقصى وتهدد سقوطه في كل لحظة. وقبل ذلك تم الاستيلاء على مفتاح باب المغاربة من أيدي الأوقاف الإسلامية. وكذلك تم الاستيلاء على "الخوتانية"، وهي أرض وقفية كبيرة وواسعة تقع مباشرة جنوب المسجد الأقصى، حيث أعملت الحفريات الإسرائيلية معولها.


وفي ذات السياق تم الاستيلاء على الأرض الوقفية الإسلامية في جبل الزيتون ورأس العامود وسلوان بعد انتهاء تحكيرها أو تأجيرها. وتم الاستيلاء على أرض الصلودحة الوقفية الإسلامية في الجنوب الشرقي للمسجد الأقصى. ناهيك عن الاستيلاء على عقارات حارة الشرف الوقفية الإسلامية المقدسية وتحويلها لحارة لليهود، فضلاً عن حملات التحريض المستمرة وغير المتوقفة تجاه المسلمين والأوقاف الإسلامية، سواء رممت حجرًا أو أضاءت ممرًا أو ركبت حنفية طلبًا لماء بارد.


وعلى خلاف توحد اليهود فإن كل هذه الأفعال والاستفزازات تجري على قدم وساق أمام انظار العالم العربي والاسلامي المنقسم والذي يغرق في حروبه وخصوماته ونسي قبلته الاولى وحرمه الثالث، وكان بالون الاختبار الاول بعد احتلال المدينة، حينما قام المدعو مايكل دنيس روهان اليهودي الأسترالي الجنسية بحرق المسجد الأقصى المبارك عام 1968م, لم تنم ليلتها جولدا مائير تحسبًا من ردود الفعل العربية والإسلامية، ولكنها بعد ذلك عادت لتنام ملء جفونها بعد أن تحققت أن الردود العربية والإسلامية ما هي إلا زوبعة في فنجان، وثرثرة لفظية من خلال بيان أو إعلان, ولا تتجاوز ذلك المدى.


واليوم بعد أربعة عقود من ذلك الحادث المشئوم, تتلبد سماء المسجد الأقصى بغيوم سوداء تحمل الشرور كلها, وتدعو إلى الاستيلاء على المسجد الأقصى أو جزء منه بذريعة أو بأخرى. يساعد في ذلك المد اليميني المتنامي في (إسرائيل) من جهة, والهزال والضعف العربي والإسلامي من جهة أخرى. وأخيرًا ظهور أصوات دينية قوية تعارض فتوى الحاخامية الرئيسية في (إسرائيل) التي كانت تمانع حتى دخول اليهود لساحة الأقصى, بل أخذت تنظم مسيرات وصلوات لساحة المسجد الأقصى وباحاته ولدواوينه، وتنشد الأناشيد وتتلو المزامير.