ها هي حكومة الاحتلال الإسرائيلية تدفع اليوم ثمن فاتورة التصعيد والاستفزازات التي خططت لها وأدارتها ورعتها مع قطعان المستوطنين طول شهر رمضان والعيد في المسجد مبارك، وفي الحقيقة أن مسلسل اقتحامه مجدد يوميًّا ولم يتوقف، ولكن تشتد وتيرته بالذات في شهر رمضان والأعياد وأيام الجمع بمعنى في المناسبات التي يكثر فيها أعداد المصلين في الأقصى، ناهيك بالانتهاكات المستمرة للأماكن المقدسة الأخرى كالمسجد الإبراهيمي في الخليل وكنيسة القيامة في بيت لحم... إلخ.
هذه المرة ليست كباقي المرات السابقة، فالاحتلال بحكومته اليوم في موقف لا يحسد عليه، عندما يقف عاجزًا أمام العمليات الفدائية المتكررة وجيشه يترنح لا يستطيع أن يقدم أو يؤخر وأخذ سنوات طويلة يتباهى بأسطورة أقوى جيش والذي لا يقهر، وأراد أن يحتفل بذكرى انتصاره على العرب في الحروب السابقة وتأسيس كيانه الغاصب في فلسطين المعروفة بذكرى النكبة عام 1948، فكما يقولون “فرحة متمتش”، وانقلب السحر على الساحر، وقد تذوق مرارة الهزائم، ففي كل مرة هو يحتفل بهذه المناسبة، والفلسطينيون يتذكرون جراحهم وأراضيهم وببوتهم التي سلبت منهم وهجروا منها ولم يسمح الاحتلال لهم بالعودة إليها.
الاحتلال أصيب بهستيريا فقدان الامن الذي لطالما عدَّه الشيء المقدس، رغم كل الإجراءات الأمنية والعسكرية المشددة التي تنتهجها قوات الاحتلال الصهيونية، إضافة إلى القبضة الحديدية التي تفرضها على الضفة والحصار العسكري المفروض على غزة لخمسة عشر عامًا متواصلة، رغم كل هذا لم يستطِع إيقاف انتفاضة غضب الفدائيين دفاعًا عن الأقصى، وكان آخرها عملية إلعاد الفدائية التي أسفرت عن مقتل وإصابة عدد من المستوطنين.
حقًّا هذه المرة ليست كالمرات السابقة، فعملية إلعاد هي سادس عملية فدائية في غضون 40 يومًا، وقد انسحب الفدائيون من المكان، هذا يدل على إفلاس قوات أمن وجيش الاحتلال، وأيضًا يدل على غباء قادته بتشديد الإجراءات على المناطق الفلسطينية بفرض عقاب جماعي، أو تعليق هذا الفشل على شماعة غزة، فتارة يقوم بتشديد الحصار الخانق على المناطق الفلسطينية، وتارة يهدد بشن عدوان على غزة، والتهديد باغتيال رئيس حركة حماس، يحيى السنوار.
فإقدام قوات الاحتلال على ارتكاب حماقة جديدة من أجل حسابات سياسية وأهمها تثبيت أركان حكومة الاحتلال التي يترأسها بينيت ولبيد لنجدتها من الانهيار الوشيك، فهذا ليس مستغربًا ولا بالشيء الجديد، فقد سبق أن أقدمت حكومات الاحتلال على مثل جرائم كهذه واغتالت قادة فلسطينيين في الداخل والخارج أمثال الشهيد خليل الوزير والشهيد أبو علي مصطفى والشهيد فتحي الشقاقي والشهيد صلاح شحادة والشهيد أحمد ياسين والشهيد عبد العزيز الرنتيسي والشهيد ضياء أبو العلا.. قائمة القادة الشهداء تطول، حتى إنها اغتالت الشهيد أحمد الجعبري، ذاك الرجل الذي أعاد إليهم الجندي الأسير لدى المقاومة، جلعاد شاليط، من خلال صفقة التبادل للأسرى بما عرف بصفقة وفاء الأحرار، وحينها فتحت قوات الاحتلال على نفسها باب جهنم من قبل المقاومة.
الاحتلال لا عهد له ولا أمان، فالتهديدات التي تصدر بين الفينة والأخرى من متنفذين إسرائيليين أمثال عضو “الكنيست” المتطرف بن غفير لاغتيال قائد حماس يحيى السنوار يجب أن تؤخذ على محمل الجد، فكم مرة ينقد التهدئة مع غزة من خلال وساطات، وينفذ العدوان تلو العدوان ويقوم بتصفية القادة ولا يرحم صغيرًا ولا كبيرًا ولا يهمه لا طفل ولا امرأة ويقصف البيوت على ساكنيها دون رحمة، إذا كان الاحتلال نسي ما ألم به في الحروب السابقة التي شنها على غزة بسبب غباء قادته السياسيين والعسكريين الذين اعترفوا بهزائمهم ولا سيما في حرب سيف القدس حين جرب الاحتلال قوة المقاومة التي ردت الصاع صاعين ودكت عمقه بالصواريخ ولم تشفع له القبة الحديدية الفاشلة التي يعول عليها دائمًا في كل حرب.
أعتقد أن من أشعل فتيل النار يجب عليه أطفالها قبل أن تأتي على اليابس والأخضر، فالمتطرف بن غفير وأمثاله من المتطرفين هم الذين يستفذون الفلسطينيين باقتحامهم المتواصل للمسجد الأقصى، وفي اعتقادهم أن الشعب الفلسطيني سيبقى متفرجًا على هذه الاستفزازات، لكن الاحتلال لم يفهم رسائل الشهداء بداية بالشهيد فادي أبو شخيدم الغاضب الأول للأقصى من شعفاط والشهيد محمد أبو القيعان من النقب المحتل والشهيدين أيمن وخالد اغبارية من أم الفحم والشهيد ضياء حمارشة من يعبد والشهيد رعد حازم من جنين وصولًا إلى الرسائل الأشد قوة للعمليات الفدائية في “أريئيل” و”إلعاد”.
أعتقد أن حكومة الاحتلال تتخبط للحفاظ على بقائها بتوجيه التهديد والوعيد باجتياح جنين وتنفيذ ما يسمى بكاسر الأمواج وحارس الأسوار، إلخ وأيضًا تهدد غزة بعمل عسكري.
أعتقد أن أي مغامرة عسكرية من قبل الاحتلال سيتحمل هو وحكومته نتائجها، ولكن يجب الأخذ بالحسبان تهديدات أبو عبيدة الناطق باسم كتائب عز الدين القسام بأن اغتيال السنوار أو أي قائد أو شخصية فلسطينية هنا أو هناك بمنزلة لعب بالنار، وأن إقدامه على مثل هذه الحماقة إيذان بزلزال في المنطقة، بمعنى أن هذا الرجل لا يتكلم من فراغ وهو يعرف ماذا تعد المقاومة.