بعيون فلسطينية ومشاركة ممثلين أجانب، يجسد فيلم "11 يومًا في مايو" تفاصيل أحد عشر يومًا قاسية عاشها الفلسطينيون في قطاع غزة العام الماضي دفنت خلالها أحلام 66 طفلًا، فقضوا خوفًا ورعبًا وغدرًا دون أنْ يشكلوا أي خطر على قوات الاحتلال الإسرائيلي.
فالفيلم الوثائقي الذي بدأت العروض السينمائية الأولى له في السادس من مايو، يعرض في 27 دار عرض سينمائية بريطانية منها 25 دار لصالات سينما "بيكتشر هاوس" وهو يخلد وفقا ما يبين مخرجه المشارك محمد الصواف، قصص الأطفال الفلسطينيين الذين فقدوا أرواحهم جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في العام الماضي.
ويقول الصواف لـ"فلسطين" إن مشاركة أهالي الشهداء الأطفال لم يكن سهلًا البتة، فقد رفضوا في البداية الظهور لأنهم لم يريدوا إثارة جرح لم يندمل بعد، ولكن فريق العمل أقنعهم بأنهم يجب أن يظهروا للعالم للحديث عن أطفالهم "الذين كانت لديهم تطلعات ولم يعد لهم وجود".
ورغم تحلي الأهالي بالصبر على ما أصابهم، لكنهم يشعرون حقيقة بالانهيار والتعب النفسي الكبير لفقدان أطفالهم، حتى أصبحوا غير قادرين على التعبير الحقيقي عن مشاعرهم، فالصمت الظاهر يخفي وراءه الكثير من الألم والأسى، كما ينبه الصواف.
ويضيف: يتضح ذلك من خلال الانزعاج الواضح عند سؤالهم عما كان يحلم به أطفالهم وما الذي كانوا يخططونه لمستقبلهم، فهذا السؤال كان "يُقلب مواجع أهالي الثكلى"، مستدركًا "حتى بالنسبة لفريق العمل، كانت ردود أفعالهم أصعب علينا من تجربة الحرب نفسها".
وإذ يعتقد الصواف أن الفيلم سيكون له تأثير كبير خاصة مع وجود أحداث الحرب الروسية على أوكرانيا وما أفرزته من صور صادمة لمدنيين يسقطون من جراء الحرب ولاجئين يفرون من بلادهم، وتأثر الغرب الكبير بهذه المشاهد.
لكنه في المقابل يقول إن أولئك الذين علقوا في حروب أخرى "قد تتاح لهم فرصة البحث عن ملجأ في بلدان أخرى حتى تنتهي، فإن هذا ليس خيارا متاحا لمعظم الفلسطينيين".
أرشيف الشهداء
واعتمد الفيلم، تبعًا للصواف، بشكل كبير على أرشيف الشهداء أنفسهم وأرشيف عائلاتهم، لافتًا إلى أن ما يميز هذا الفيلم هو مشاركة المخرج العالمي "كمايكل وينتربوتوم" في إخراجه، ومشاركة النجمة العالمية كيت ونسلت في رواية قصص الأطفال بحيث سيشكلون سفراء لهؤلاء الأطفال.
ويلفت إلى أن إخراج الفيلم وإنتاجه بالتعاون مع نجمة عالمية وشركة إنتاج عالمية من شأنه أن يسهل وصول رسالته الفيلم لعدد أكبر من المشاهدين في الغرب، ويكون له وقع أفضل.
ولفت انتباه العديد من وسائل الإعلام البريطانية ومنها صحيفتا الغارديان والتلغراف الأوسع انتشارًا في بريطانيا واللتان أنجزتا تقريرًا نقديًا حول الفيلم.
وذكر الصواف أنهم يخططون للمشاركة في الفيلم الذي يربو على نحو (85) دقيقة في العديد من المحافل والمهرجانات الدولية، الأمر الذي يسهم في إعلاء صوت الأطفال الضحايا وعائلاتهم بشكل أوسع وأكبر، مؤكدًا أن ريع الفيلم سيذهب إلى مؤسسة تهتم باللاجئين الفلسطينيين.
نصب تذكاري
فيما عنونت "الجارديان" مقالًا لها عن الفيلم بـ"يجب أن نشعر بالصدمة: فيلم مايكل وينتربوتوم (في إشارة للمخرج الغربي للفيلم) الجريء تكريمًا لأطفال غزة القتلى".
ويقول وينتربوتوم لـ"الجارديان" أن "الفيلم يبدأ بمشاهد من بي بي سي نيوز للغارات الجوية من الذي يعرفه المشاهدون، "لكن بعد ذلك يميلون إلى نسيانه"، قبل أن يخوض الصراع ترتيبًا زمنيًا، ليخبر المشاهد عن الأطفال الذين ماتوا كل يوم، عبر المقابلات مع 28 عائلة".
ويقول وينتربوتوم إنه فكر كثيرا في تضمين صور الأطفال القتلى أو المحتضرين، فالعلاقة بـ"الخسارة والحزن" في غزة هي "بالتأكيد مفهوم مختلف عن ذلك في بريطانيا".
ويذكر وينتربوتوم أنه لو كان الفيلم يدور حول أطفال فُقدوا في إنجلترا، فمن غير المرجح أن تكون عائلاتهم قد وافقت على استخدام مثل هذه الصور الثابتة، أو حتى امتلاكها في المقام الأول.
ويضيف: "كل ما يفعله الفيلم هو تجميع نصب تذكاري للقتلى، ليقولوا للعالم: نحن لسنا متورطين في أي نزاع".
ومضى إلى القول إلى أن من بين القصص التي وقف عليها الفيلم، قصة امرأة أرسلت ابنتها في رحلة تسوق بعد ظهر أحد الأيام، فسقطت قنبلة، وماتت الطفلة على بعد أمتار من باب منزلهم".
ويتابع: "تحمل الأم حزنًا لا يمكن تصوره، لا يوجد مكان آمن في غزة، كما يتم تذكيرنا في كثير من الأحيان: يمكن للقنبلة نفسها أن تمحو بسهولة مبنى تلك العائلة مع كل من بداخله. إنها العشوائية الكونية القاسية".
والفيلم إخراج مشترك للمخرج الفلسطيني محمد الصواف والمخرج البريطاني المعروف "مايكل وينتربوتوم"، وهو إنتاج مشترك لشركتي "ألف ملتيميديا" الفلسطينية و"ريفليوشين فيلمز" البريطانية، وتروي قصته كيت وينسلت، الممثلة والمغنية البريطانية الحائزة على الأوسكار.
وعمل طاقم عمل مشترك من فلسطين وبريطانيا خلال إنتاج الفيلم منهم مدير التصوير صلاح الحو، ومحمد الدلو باحثًا رئيسًا، برفقة الباحثين عمر طبش وتوفيق المصري، وفيما عمل بين بيرس وهاشم سراف منتجين للفيلم، ومروان الصواف فنيًّا للصوت.