أربع عائلات استطاعت أن تصمد في وجه كل ممارسات الاحتلال ومستوطنيه الهادفة لتهجير أهالي قرية "مكحول" بالأغوار الشمالية، تخوض صراعًا مريرًا للبقاء في أرضها بعد أنْ أصبحت محاطة بالمستوطنات ومعسكرات الجيش من كل حدبٍ وصوب؛ ما ضيق عليهم سبل الحياة جميعًا وجعل "صراع البقاء" في أوجه.
فمنذ عام 1999م والقربة تشهد مضايقات إسرائيلية متعددة تهدف لتهجير سكانها، كما يبين المواطن برهان بشارات، فيقول: "الحياة هنا صعبة بكل المقاييس وهي صراع نفسي ووجودي يستهلك من أعمارنا وقوانا، لكننا ليقيننا بأن هذه أرضنا نتشبث بالبقاء فيها لآخر رمق".
ويشير في الوقت ذاته إلى أن كل إجراءات الاحتلال منذ عقديْن من الزمان من هدم بيوت ومصادرة مواشٍ لم تفت في عضد السكان، "لكن زرع المستوطنين في السهول ورؤوس التلال المجاورة لنا ضيق على المواطنين كل سبل الحياة".
ويتابع: "فهم يعتدون على الناس ليلًا ونهارًا ويزاحمونهم في مراعيهم منذ عام 2016م، وحرمونا من الوصول للكثير من المراعي وأي راعٍ منا يصل تلك الأراضي يفرض عليه الاحتلال غرامات باهظة".
ويصف الحال الذي آلوا إليه حاليًا بالسجن الكبير، "فنحن محاطون بمعسكرات جيش الاحتلال ومستوطنيه من الجهات الأربع، وبتنا لا نتحرك سوى في مساحات محدودة بعد أن كنا نسرح بمواشينا عدة كيلومترات".
ويشير للفرق الشاسع بين الحياة المريرة التي يحياها أهل القرية في مقابل توفر كل أساليب العيش المرفه للمستوطنين بالمنطقة، "نحن نعيش على طاقة شمسية فنقضي بقية يومنا أحيانًا في عز البرد والصيف دون كهرباء، فلا نستطيع رؤية شيءٍ في المساء أبدًا، في حين أن (إسرائيل) تشق للمستوطنين خطوط مياه من المستوطنات القريبة من المنطقة في وسط الجبال".
البعد عن الأبناء
ويتابع: "بينما نحن نعيش في خيام دون مياه للشرب، نضطر لشرائها من أماكن بعيدة، فيما تكلفنا خلايا الطاقة الشمسية مبالغ باهظة"، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إنّ بشارات مضطر لأنْ يترك أبناءه التسعة بعيدًا عنه في بلدة طمون ولا يراهم سوى كل عشرين يومًا مرة.
يقول:" لا يوجد هنا أي إمكانيات تتيح لهم مواصلة دراستهم فمنذ دخولهم مرحلة الروضة، أرسلهم لدى أهلي في طمون، وحاليًا لديّ أربع طالبات جامعيات، نضحي كثيرا هنا لنصنع مستقبلًا لأبنائنا".
وحتى تربية المواشي أصبحت باهظة التكاليف بعد أن ضيق علينا الاحتلال مساحة الرعي، فأصبحت تربية الأغنام تكلفني 150 ألف شيقل سنويًا بدلًا من ثمانين ألفًا في السابق، "نحن نعيش حياة بالغة الصعوبة لكي نظل صامدين على هذه الأرض".
ويتابع بالقول:" فاليوم مثلًا لم أعدْ قادرًا على الابتعاد عن بيتي لرعي أغنامي أكثر من كيلومتر واحد خشية من اعتداءات الجيش والمستوطنين، حيث يقولون لي هذه منطقة عسكرية ممنوع دخولك إليها، فيكون ردي: "أنا ابن الأرض، لماذا أنا ممنوع من دخولها؟!" لكنه حكم القوة للأسف.
ولا تختلف المعاناة كثيرًا عند المواطن دياب دراغمة الذي يشتكي من أنه لم يعد هناك مراعٍ يرعى فيها مواشيه، حيث صادر الاحتلال أغلب الأراضي والسهول، فيما يمنع الاقتراب من الأراضي القريبة من معسكرات الجيش.
ويتابع: "كما أن لا أحد منا يستطيع أنْ يخرج وحده للرعي، خشية أن يهاجمه المستوطنون، وهذا ما حدث معي مطلع هذا العام إذ هاجمني ثلاثة مستوطنون بالحجارة أنا وأغنامي دون سابق إنذار".
ويلفت إلى أن المستوطنين يطلقون مواشيهم لتأكل المزروعات التي يزرعونها، "نحاول استغلال فصل الشتاء بزراعة القمح والشعير وغيرها من المحاصيل واغتنام مياه الأمطار، لكن المستوطنين لا يتركونها في حالها، بل يطلقون مواشيهم لتأكلها".
وما يزيد صعوبة الحياة عدم توفر الكهرباء سوى لساعات محدودة من خلال الخلايا الشمسية، فيما يقضون بقية اليوم في ظلام دامس، "وحتى البناء فهو ممنوع في المنطقة، ما دفعنا لبناء بيوتنا من الصفيح "مساحة البيت لا تزيد على ثلاثين مترًا" في خفية من الليل، بعد أن هدمها الاحتلال".
ويستغل المستوطنون -وفقًا لدراغمة- خروج المواطنين من بيوتهم ليلًا أو نهارًا لينقضّوا عليها ويسرقوا مستلزماتهم وكل ذلك ضمن الإجراءات لتهجيرهم.
بينما تضفي معاناة التعليم جانبًا مأساويًا آخر على حياة المواطنين في القرية، إذ يضطر دراغمة لأن يسكن أبناءه من الطلبة الجامعيين في طوباس، "فالمواصلات من وإلى الجامعة تكلفني كثيرًا كما أن الحياة هنا لا تساعد على التعليم فلا كهرباء ولا إنترنت أغلب الوقت".
ويزيد بالقول: "فيما يعاني أبنائي الصغار بشكل أكبر، حيث يُضطرون لقطع مسافات كبيرة للوصول إلى مدارسهم في "عين البيضا" (قرابة 20 كيلومتر) وما يحمله ذلك المشوار من مخاطر في الشتاء والصيف وبسبب اعتداءات المستوطنين وجيش الاحتلال".
ومكحول واحدة من أكثر من 26 قرية فلسطينية دمرها الاحتلال في الأغوار الشمالية إبان نكسة حزيران عام 1967، ورحل منها من رحل وهاجر منها من هاجر.
وتعد إحدى سبع قرى تشكل وادي المالح بالأغوار المحتلة، وهي: الحديدية، وخلة مكحول، وسمرا، والحلوة، ووادي المالح، والفارسية، والحمة.