يعتقد الاحتلال أن اتفاقيات التطبيع مع بعض من الدول العربية بما يسمى باتفاقيات “أبراهم” وأيضا إعلان ترامب العام الماضي بشأن القدس يعني امتلاكها للمدينة بالكامل أصبح حر التصرف فيها، وكان الصهاينة ضمنوا صمت المجتمع الدولي وأيضا تخاذل العرب والمسلمين، لذا فهو ماضٍ في تهويد وأسرلة مدينة القدس والمسجد الأقصى كما يحلو له، ونسي أن للبيت ربًا يحميه، وأن شعب الجبارين لن يقف مكتوف الأيدي إزاء ما يحدث للأقصى المبارك، وسيفشل كل المخططات الصهيونية مهما كلفه الأمر من تضحيات.
لعل ما حدث في المسجد الأقصى المبارك من انتهاكات لحرمته وقدسيته ورمزيته الدينية منذ بداية شهر رمضان وما زالت الاعتداءات المتواصلة عليه من قطعان المستوطنين وجنود الاحتلال الصهاينة، قد أشعل فتيل الصراع من جديد على كل الجبهات الفلسطينية في الداخل والخارج اللذين هبوا دفاعا عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبل أن يهنأ الاحتلال ومستوطنيه بتقديم قرابينهم، قدم الشعب الفلسطيني الشهداء فداء للأقصى المبارك أولى القبلتين، ولم يستسلموا لسياسة الأمر الواقع التي تحاول سلطات الاحتلال فرضها وسعيها لتغيير الوضع القائم فيه.
الشعب الفلسطيني تُرِك وحده يدافع عن المقدسات العربية والإسلامية، ولم يتخلف عن ذلك لحظة واحدة وهو يدفع الغالي والنفيس من أجل الأقصى وكل المقدسات، ولا يلقى أي اهتمام لا للتطبيع ولا للتنسيق الأمني مع للاحتلال، فرغم وجود الانقسام إلا أن الشعب الفلسطيني أثبت تلاحمه فيما يتعلق بالمسجد الأقصى المبارك. فلا أحد ينكر أن جميع الفصائل الفلسطينية على مختلف مشاربها هبت تدافع عن الأقصى، ولا ننسى دور فلسطينيي الداخل المحتل خط الدفاع الأول عن المقدسات، فلم يكن أحيانا سكوت الضفة على ما يحصل من تهويد واستيطان وقتل وهم وتهجير، هو نابع من سكوت السلطة في رام الله التي تتمسك بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، بل سكوتها كان بمثابة جمر تحت الرماد، حيث تتجدد الدماء في عروقها وتنتفض لتعبر عن غضبها وتقلب الطاولة على الجميع، وأما غزة التي سرعان ما تستجيب وتلبي النداء فلم تغمض عينيها لحظة واحدة وتراقب الأوضاع هنا وهناك من كثب، ولم تتردد في نصرة القدس والأقصى، ومن أجله خاضت حروبًا مع الاحتلال كان آخرها سيف القدس، حيث كسر "أنا" الاحتلال، وأضعف كيانه وقد انتصرت خلاله المقاومة انتصارا مؤزرا.
يعلم الشعب الفلسطيني أن حجم المؤامرة كبير، وأن الصهاينة يسعون للتقسيم الزماني والمكاني للأقصى في ظل الدعوات التي تطلقها جماعات الهيكل المتطرفة لاقتحام كبير للمسجد الأقصى هذه الجمعة، بل لم يهدأ لهم بال حتى بناء الهيكل المزعوم على أنقاضه كما أعلنوا ذلك مرارا، لذا فإن الشعب الفلسطيني يحاول الزحف إليه بأعداد كبيرة كما حدث في ليلة السابع والعشرين من رمضان بنحو ربع مليون مصلٍّ رغم المضايقات والعراقيل لتي تضعها قوات الاحتلال لمنعهم من الوصول إليه، بهدف الصلاة والعبادة ولكن أيضا الرباط فيه وحمايته، فكما أفشل مشروع البوابات والاتفاق أسفله وتهجير أهالي شيخ جراح وسلوان وذبح القرابين ومسيرة الأعلام سيفشل مخططات الصهاينة ويقلب السحر على الساحر، ويحتفل بهذا الانتصار للأقصى في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك وكل عام وأنتم بخير.