لا تتوقف الأخبار الواردة من وسائل الإعلام العبرية حول رصد إطلاق صواريخ تجريبية للمقاومة تطلق بشكل شبه يومي في إطار تحسين المقاومة في غزة لقدراتها العسكرية، وبينما تنطلق تلك الصواريخ للبحر فإنها فعليًا تسقط على طاولة صناع القرار السياسي في دولة الاحتلال وتجعله يحسب ألف حساب إذا ما فكر في شن عملية عسكرية مع قطاع غزة.

أمام هذا التطور، أعرب رئيس دائرة الأبحاث في شعبة الاستخبارات الإسرائيلية عاميت ساعر عن قلقه من استمرار حركة حماس في مراكمة القوة العسكرية وخاصة في مجال الصواريخ.

وقال ساعر إنه وعلى الرغم من انشغال حركة حماس في الظروف الداخلية بقطاع غزة إلا أنها عززت من مراكمة القوة العسكرية مؤخراً وخاصة الصواريخ.

سبق حديث ساعر تصريحات أدلى بها مسؤول ملف الأسرى في حماس زاهر جبارين، وقال: إن "معركة التحرير الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي سوف تبدأ بـ1111 رشقة صواريخ".

وبين الفينة والأخرى تجري كتائب القسام وفصائل المقاومة في قطاع غزة تجارب صاروخية وتقوم بإطلاق صواريخ تجاه البحر، في إطار تجارب أداء الصواريخ ومراقبة مدياتها، وفي 10 فبراير/ شباط الماضي قالت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، إن القسام أطلقت 15 صاروخا تجريبيا.

وتكشف حجم التجارب الصاروخية للمقاومة عن تطور كمي ونوعي في المنظومة الصاروخية، ففي 2 يونيو/ حزيران 2017، زعمت إحصائية إسرائيلية أن كتائب القسام أطلقت قرابة ألفي صاروخ تجريبي منذ انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة صيف عام 2014.

استراتيجية عسكرية

مثلت المنظومة الصاروخية استراتيجية عسكرية لبناء ومراكمة القوة قامت عليها المقاومة منذ سنوات طويلة، لم تؤثر أي تطورات داخلية فلسطينية على بناء القوة العسكرية التي أعطيت أولوية قصوى باعتبارها مرحلة من مراحل الإعداد للمعركة الفاصلة، والتي ربما تستمر لسنوات طويلة ويتم استخدامها في جولات القتال، بالتالي كلما كان هناك مراكمة للقوة تكون المقاومة قادرة على خوض المعارك، بحسب المختص في شؤون المقاومة محمد حسونة.

ويرى حسونة لصحيفة "فلسطين" أن التجارب الصاروخية للمقاومة تعطي اشارة عن حجم اعتماد المقاومة على نفسها، بعد أن حاول الاحتلال حصارها ومنع عنها الإمداد الخارجي، مشيرًا، إلى أن المقاومة في "سيف القدس" اعتمدت على الصواريخ المصنعة محليا وهذا دليل على فشل الاحتلال في عزلها عن محيطها، بل يحفزها على الاعتماد على نفسها وتطوير قدراتها.

في 11 مايو/ أيار 2021 أعلنت كتائب القسام أنها قصفت (تل أبيب) وضواحيها بـ130 صاروخا؛ يؤكد حسونة أن هذا دليل على قفزة كبيرة في المؤشر الكمي في استهداف (تل أبيب) مقارنة بمعركة "العصف المأكول" التي وقعت في 2014، حيث بلغ عدد الصواريخ على المنطقة نفسها نحو 115 صاروخًا موزعة على أيام العدوان بينما كان أطلقت ضعفها هذا العدد في رشقة واحدة في سيف القدس.

ويعتقد أن قلق الاحتلال من تطور منظومة المقاومة الصاروخية نابع من كونها تؤثر في العمق الإسرائيلي، فدون المس بهذا العمق تصبح مبتورة الأيدي، مما يؤكد أن المقاومة تعتمد القدرة الصاروخية كسلاح استراتيجي في المعركة.

بالتالي تصبح القدرة الصاروخية للمقاومة – وفق حسونة – حاضرة على طاولة صناع القرار في دولة الاحتلال وهو يدرك أنها قادرة على الوصول لأبعد نقطة في حدود فلسطين التاريخية، مشيرا، لتهديد المقاومة خلال "سيف القدس" بأن رشقتها ستغطي كل فلسطين لو فكر الاحتلال بخرق التهدئة.

تطور كبير

بينما يشير المختص في الشأن الإسرائيلي باسم أبو عطايا، إلى أن الترسانة الصاروخية للمقاومة فاجأت الاحتلال عندما ضربت (تل أبيب) لأول مرة عام 2012 بعدة صواريخ، ثم زادت الرشقات عليها في 2014، و2021 وأصبح ضرب (تل أبيب) أمرًا عاديًا. 

وأضاف أبو عطايا لصحيفة "فلسطين"، أن قدرات المقاومة تجاوزت "تل أبيب" ومقدرة القبة الحديدة على صدها، مشيرًا لخشية الاحتلال أن تكون حماس قد امتلكت قاعدة عسكرية صاروخية في جنوب لبنان، كذلك تصريحات قادة حماس أن الرشقة الصاروخية الأولى ستبلغ 1111 صاروخًا إذا ما فكر الاحتلال بشن أي عدوان جديد على غزة.

ويعتقد أن قلق الاحتلال مرده أن هناك مصداقية لمثل هذه التصريحات، وليست مجرد تهديدات لأنه يدرك أن المقاومة تستطيع أن تنفذ ما تقول، فهو يراقب تطورها وتجاربها الصاروخية على مدار الشهور الماضي من خلال تجريب إطلاق صواريخ في عرض البحر، تختبر فيها المقاومة مديات الصواريخ.

المعطيات السابقة، وفق أبو عطايا، دليل على أن المقاومة في تطور مستمر وأن هناك وحدات خاصة في القطاع مهتما تطوير الأسلحة التي تؤلم الاحتلال إذا ما فكر بشن عدوان، فهذا التطور يأخذه الاحتلال في الحسبان عندما يفكر في اتخاذ قرار عسكري.

وتابع: "لذلك نرى أن الاحتلال دائما يتحدث عن عدم امتلاكه للمعلومة حول قدرات المقاومة، ودائما يحاول اختبار ذلك من خلال إطلاق بعض الصواريخ لاختبار ما لدى المقاومة".

في وقت تجاوزت حدود دفاعات الترسانة الصاروخية لحماس قطاع غزة وأصبحت تحمي كل فلسطين ومناطق أخرى، يلفت أبو عطايا إلى أن القرار السياسي في دولة الاحتلال أصبح مرتبطا بقدرات المقاومة، والذي تمثل بإلغاء مسيرة "الأعلام" بالقدس، والسماح بدخول أعداد كبيرة من المصلين لإحياء ليلة القدر بالمسجد الأقصى، له علاقة بمساعي الاحتلال لتهدئة الأمور وعدم توتير المنطقة.

ورغم أن قيادة جيش الاحتلال صرحت عن استعداد الجيش لشن عدوان على قطاع غزة لكنهم بحاجة لقرار سياسي، يرى أبو عطايا أن الجيش يعلم أن قيادته السياسية لا تقوى على اتخاذ قرار الحرب مع غزة، لأنها تدرك أن الثمن الذي ستدفعه أكبر من القرار.