كان بنو إسرائيل قبائل مشتتة يحكمها قضاة بعد مجيئهم لفلسطين بعد التيه الذي توفي نبي الله موسى في آخره، وكانت الأمم الأخرى مثل العماليق والأراميين وغيرهم تهاجم بني إسرائيل.. فذهبوا إلى "صموئيل" نبي كان بينهم وطلبوا منه أن يجعل الله لهم ملكاً.. اختار الله لهم طالوت ملكاً، ولم يكن ثرياً أو ضخم الجسم أو كثير العلم، فاعترض بنو إسرائيل عليه. ولم يستسلموا لأمر الله.. ولكن طالوت قادهم في الحرب على جالوت وجيشه.
بدأت حكاية نبي الله داوود عندما خاض المعركة الأولى على جالوت وجنوده، وكان داوود فتى صغيراً يرعى الغنم ولا خبرة له في الحروب والقتال، ولكن داوود قتل جالوت ملك العماليق القوى الذي يخافه الناس بحجر وضعه في مقلاعه وضرب به رأس جالوت.. فسقط عن فرسه، فأخذ داوود سيفه وضربه به.. انتصر داوود، وآتاه الله الملك والحكمة وعلَّمه ما لم يعلم، وأرسله رسولاً إلى بني إسرائيل، ووهبه الله الصواب والعدل في الحكم في القضايا والخصومات.. فأصبح يجلس في محراب بيت المقدس للحكم بين المتخاصمين.
وعلَّمه الله صناعة الدروع التي يلبسها المقاتلون في الحرب ليحموا أنفسهم بها من ضربات الخصم، بعد أن كانت مجرد صفائح لا تفي بالغرض المطلوب. وألان الله له الحديد حتى أصبح يُشَكِّله بيديه دون الحاجة لنار تجعله ليِّناً أو مطرقة تُمكِّن من تشكيله.
وكان داوود ذا قوة في العبادة والعمل الصالح، يقوم نصف الليل ويصوم يوماً ويفطر يوماً ولا يفر من لقاء العدو. وكان له صوت عظيم جميل لم يعطه أحداً، فإذا ترنم بقراءة كتاب الله (الزبور) بكرة وعشياً وقف الطير في الهواء، وسبَّح بتسبيحه، ورددت الجبال قوله وسبحت معه.
ذات يوم وبشكل مفاجئ، وكان داوود يتعبد في محرابه، تسلق شخصان مختصمان سور المحراب دون استئذان.. أفزع تصرفهما نبي الله داود، فكيف يأتيان من أعلى جدران المحراب بدلاً من أن يدُقَّا الباب؟ فقالا له:" لا تخف نحن خصمان اختلفنا وجئنا نطلب الحكم منك".
ولما جلسا أمام نبي الله داوود، قال أحدهما: هذا أخي وأشار إلى الرجل الآخر، يمتلك ۹۹ نعجة، وأنا لا أملك إلاَّ نعجة واحدة، وهو يُصِرُّ على أن أُعطيَهُ نعجتي ليضُمها إلى بقية نعاجه، ويلحُّ عليّ باستمرار في الأمر، وأخذ يشدِّد عليَّ في القول ويُغلظ فيه.
فقال له نبي الله سيدنا داود بعفوية ودون تفكير عميق:" لقد ظلمك أخوك بطلبه، فكيف يأخذ نعجتك وهي واحدة ليضمها إلى نعاجه التسع وتسعون".. لم يسأل داوود الخصم الآخر، ولم يستمع إليه.. وأخذ يقول في ذهنه: "كثير من الخلطاء والشركاء يظلمون شركائهم في العادة".
اقتنع الطرفان بحكم داود وسلما بما قال وغادرا المكان، لأنهما يؤمنان تماماً بعدالته في الحكم.
انصرف الرجلان، ولكن داوود ظل يفكر في المسألة والخصومة.
انتبه داوود إلى أنه لم يستمع إلى الطرف والأخر ويسمع لحجته في الأمر، حتى يكوِّن تصوراً كاملاً عن المسألة قبل يحكم بينهما.. فأدرك أنه تسرَّع في الحكم، فندم وعاد إلى الله وخر ساجداً مستغفراً، ثم تدارك الحكم بينهما بما يُرضي الله.
فالاستماع لجميع الخصوم من الأشياء المهمة للحكم العادل.