يُعدُّ العمل في مجال بيع الملابس والمحال التجارية الخاصة مصدر رزق دائمًا أو مؤقتًا لكثير من الشباب في ظلّ ندرة فرص العمل في قطاع غزة الذي يرزح تحت اقتصاد متداعٍ من سنوات طوال.
فالشاب الجامعي مصطفى بدوي رافق منذ نعومة أظفاره أشقاءه الأكبر منه للعمل في بيع الملابس، ليستفيد من تجربتهم في العمل التي أهَّلتهم لأن يضعوا أقدامهم في العمل التجاري الخاص بعد أنْ كانوا يعملون أُجَراء عند تجار آخرين.
ويرى مصطفى "21 عامًا" أنّ البدء في العمل في تجارة الملابس أمر يسير، لكنّ الاستمرار أمر ليس بالسهل أبدًا، بعد أن امتلأ السوق بالمحلات التجارية المشابهة، ما يفرض على مَنْ يعملون في هذا المجال وصل الليل بالنهار للبقاء في السوق.
اللباقة مفتاح السوق
ويقول: "هذه المهنة لا تحتاج إلى مؤهلات علمية أو خبرات بل كل ما تحتاج إليه هو "طول البال" و"اللباقة" والقدرة على تسويق البضاعة للزبون، وهذا جعلها وجهة الكثير من الشباب سواء المتزوجون أو العزاب لتحصيل مصروفهم الشخصي وتلبية احتياجات بيوتهم في ظلّ انتشار البطالة وارتفاع نسبة الفقر".
ويُبيّن أنّ العائد المادي للعمل في تجارة الملابس كان في الماضي مُجزيًا، أما الآن مع ارتفاع أسعار الإيجارات والوضع الاقتصادي البالغ الصعوبة للناس فإنّ العائد قليل، "حتى بسطات الملابس تحتاج إلى جهد كبير وعمل مستمر من الشاب ليظلّ صاحبها واقفًا على قدميه".
ويُنصح الشباب المبتدئون بألّا يتوجّهوا للعمل في الملابس غالية الثمن والتوجه نحو الأسواق الشعبية والملابس ذات الأسعار المنخفضة والبيع بـ"العروض"، مُستدركًا: "صحيح أنه لن يتحصّل على عائد مادي كبير بالقطعة الواحدة لكنه سيبيع عددًا كبيرًا من القطع فيحقّق ربحًا كافيًا".
ويلفت إلى أنه وأشقاءه عملوا مدةً في "سوق الرمال"، لكن الأوضاع الاقتصادية الصعبة حالت دون نجاحهم، فعاودوا الرجوع إلى الأسواق الشعبية كـ"الشجاعية" والآن هم مستمرون في العمل منذ عام 2008م، قائلًا: "نرى محال الملابس تفتح أبوابها مثلًا في العام الحالي وتغلقه في العام المقبل لعدم فهم القائمين عليها لطبيعة السوق".
المواسم فرصة
ويرى بدوي ضرورة أن يتحلى الشاب الذي يريد أن يفتتح عملًا خاصًّا به في مجال الملابس بالمرونة، فإنْ وجد في منتصف الطريق تاجر "جملة" بسعر أقل يمكنه إنهاء تعامله مع التاجر الأول دون خجل، وهكذا ما يضمن له تحقيق أكبر قدر من الربح، بجانب الاستفادة من التكنولوجيا في تطوير عمله والدعاية لمحله.
أما الصفات التي يجب أن تتوفر في الشاب الذي يعمل بائعًا في محلات الألبسة، فهي "لباقة اللسان" مع جميع الفئات من الزبائن وسرعة البديهة ما يمكنه من النجاح وتجنب المشكلات.
على حين يبين الشاب محمد خضير الذي يعمل في مجال بيع الملابس منذ مدة طويلة متنقلًا بين عدة متاجر، أن العمل في هذا المجال يسد رمق أسرته بالدخل الجيد الذي يحصل عليه، كما أنه لا يتطلب جهدًا بدنيًّا كبيرًا كالعمل في البناء مثلًا.
ويضيف: "أذهب للعمل بكامل أناقتي لأعكس صورة جميلة عن المحل الذي أعمل فيه، كما أنني أذكر نفسي يوميًّا بضرورة أنْ أكون صاحب نفس طويل مع الزبائن لكسبهم وتشجيعهم على الشراء والعودة إلى المحل الذي أعمل فيه".
ويبين خضير أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة جعلت محال الملابس تدخل في حالة من الركود في السنوات العشر السابقة، "ما يجعلنا ننتظر مواسم "رمضان" والأعياد بفارغ الصبر لكونها تشهد حركة نشطة وإقبالًا على شراء الملابس".
جهد مضاعف
ففي تلك المواسم يبذل خضير جهدًا مضاعفًا عن الأيام العادية، "تزداد ساعات دوامنا إذ نفتح المحل حتى في أيام الجمعة وفي رمضان مثلًا نعمل على فترتين من الحادية عشرة صباحًا وحتى السادسة مساءً ثم نعود بعد الإفطار وحتى منتصف الليل".
ويتابع: "أحيانًا نستمر في العمل خاصة في آخر رمضان حتى الفجر، فهي فرصتنا لتعويض الركود في بقية العام، وفي تلك المواسم يستعين أصحاب المحلات بعمال آخرين حتى يستطيعوا تسيير أمورهم فيكون في المحل بين أربعة وخمسة عمال أما في الأيام العادية فيكتفون بعامل أو اثنيْن".
ويشعر خضير بالحزن وهو يرى مئات الشباب يطرقون باب المحل يوميًّا خاصة في "المواسم" يطلبون العمل ليوفروا احتياجاتهم خاصة في الأعياد من مصروف وملابس في ظل أوضاع أبنائهم الاقتصادية الصعبة، لقلة فرص العمل.
ويرى أن العمل في محال الملابس فرصة للشباب للعمل لكونها لا تحتاج لجهد كبير، كما أن العاملين فيها يتمتعون بمظهر جميل فيشعرون بقيمتهم الاجتماعية بين الناس.
وبفعل الحصار والقيود الاحتلالية الإسرائيلية المفروضة على القطاع منذ 2006، تضاعفت مؤشرات الأزمة الإنسانية، إذ كانت تبلغ نسبة البطالة قبل فرض الحصار –في عام 2005– نحو 23.6%، في حين وصلت عند نهاية عام 2021 إلى 50.2%، لتكون من بين أعلى معدلات البطالة في العالم، وفق معطيات نشرها المرصد "الأورومتوسطي" مطلع هذا العام.
وذكر المرصد أن معدلات الفقر شهدت ارتفاعًا حادًّا بفعل إجراءات الإغلاق والحظر الإسرائيلية، إذ قفزت من 40% في عام 2005 إلى 69% في عام 2021.