فلسطين أون لاين

"البعوضة وما فوقها"

...
صورة أرشيفية
د. زهرة خدرج - كاتبة وروائية فلسطينية

أصدقائي.. لم تكن البعوضة الحشرة الوحيدة التي ذكرها الله في القرآن، فهناك النحل والنمل والذباب والجراد والفَراش، وذكر العنكبوت أيضاً.. ولكن البعوضة أصغرها وأكثرها انتشاراً بين الناس طوال الوقت.. تعرفون جيداً لسعاتها المؤلمة التي قد توقظكم ليلاً، وتعلمون مقدار الإزعاج الذي تسببه لكم حينما يكثر عددها في المكان الذي تجلسون فيه وتبقى تَزِنُّ في آذانكم دون أن تشعر بالتعب فتقرر الانسحاب.. أبداً.. بل تبقى مُصرة على لسعكم وأخذ نصيبها من دمائكم.. رغم انزعاجكم الشديد منها ومحاولات قتلها، ولكنها تهرب في غالبية الأوقات برشاقة لتبقى مصدر إزعاج لكم.

بعد أن هاجر المسلمون ورسول الله إلى المدينة المنورة، أخذ اليهود الذين كانوا يسكنونها يشككون بالقرآن، ويزعمون أن الله لا يذكر حشرات خسيسة وتافهة في كتاب عظيم منزل من عنده "إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له، وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه، ضعف الطالب والمطلوب".. فكيف يذكر الذباب؟ هذه الحشرة القذرة التي نعلم جميعاً مدى قذارتها!

فأنزل الله على سوله آية البعوض، فقال سبحانه:" إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها، فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم، وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً، يُضل به كثيراً ويهدي به كثيراً، وما يُضل به إلا الفاسقين"!

ولكن الله هو خالق الأكوان والمخلوقات، يخلق منها الصغير والكبير، والعظيم والتافه، والبسيط والـمُعقَّد، والذكر والأنثى، وهكذا.. دون أن يقلل ذلك من عظيم قدرته وبديع صُنعه سبحانه وتعالى.. وأخطأ اليهود حين شكَّكوا بقدرته عز وجل بسبب ذكر الحشرات، لأن الله ضرب لنا أمثلة عظيمة ومختلفة في كتابه الكريم وكان الهدف منها هو أن نتعلم ونتفكَّر في خلقه وقدرته عز وجلَّ، فيكون ذلك سبباً في إيماننا بخالقنا سبحانه وتعالى.

ودعونا نتحدث قليلاً عن البعوضة التي قلل هؤلاء من شأنها، ونرى عظيم صنعها.. حين نرى البعوضة بعيوننا المجردة نراها جسداً صغيراً أسطواني في المنتصف يرتفع من الخلف إلى أعلى قليلاً، وستة أقدام طويلة ورفيعة مثل شعرة تتوزع حول مقدمة الجسد، وأربعة أجنحة شفافة لا نستطيع رؤية حركتها خلال الطيران تلتصق بمقدمة الجسد أيضاً من الأعلى.. ورأس مستدير من الخلف مسطح من الأمام في مقدمته خرطوم دقيق وطويل يشبه إبرة دقيقة حادة، وعلى جانبي الرأس عينين كبيرتين يشبهان قرص العسل.

هذه هي التفاصيل التي نستطيع رؤيتها لهذا المخلوق الصغير المزعج.. ولكن، لو نظرنا إلى البعوضة بالمجهر، ودرسناها، لاختلفت الصورة تماماً أمامنا، سنرى تفاصيل عجيبة لهذا الجسد التافه.. ولو تفكرنا قليلاً وعدنا إلى الكتب ومحركات البحث، سندرك كيف ينقل البعوض أمراضاً تقتل ملايين البشر سنوياً مثل مرض الملاريا، وحمى الضنك، والحمى الصفراء وغيرها.. البعوضة الحقيرة تقتل بشراً بكامل قواه وقدراته..

واقرأوا كيف هزم البعوض الجيش الأمريكي حين أرغم جيش بنما على البدء بحفر قناة بنما، فاضطر الجيش الأمريكي إلى الانسحاب بكامل قوته وعتاده بسبب هذا المخلوق الحقير!

ألا يستحق ذلك منا أن نتوقف ونتذكر ونقول:" سبحان الخالق المبدع" ولا نستهين بمخلوق خلقه الله؟