فلسطين أون لاين

العزير وحماره

...
صورة تعبيرية
د. زهرة خدرج - كاتبة وروائية فلسطينية

كان العزير رجل صالح من بني اسرائيل، يحفظ التوراة غيباً، ويعلم شؤون دينه، ويعلمها للناس، وكان يُطعم الفقير، ويلاطف الأطفال ويدعو للمرضى بالشفاء.. وكان له بستان كبير فيه من الثمرات والخيرات الكثير.

ذهب عزير كعادته إلى بستانه يركب الحمار، قطف الثمار، وسقى الأشجار، وكان دوماً دائم التفكُّر بقدرة الله وعظيم صُنعه وملكوته.. كان الجو حاراً في ذلك اليوم، فبعد أن أنهى العزير عمله في بستانه ركب الحمار، وحمل عليه بعض الثمار وسار في الطريق إلى قريته البعيدة.. خلال سيره رأى قرية مهجورة من بعيد لا أحد يسكنها بعد أن مات أهلها.. فشد العزير حماره وأمره أن ينحرف عن الطريق ليرى القرية عن قُرب، فهو يمر عنها كل يوم ولكنه يراها من بعيد.. أما ليوم فأحب أن يراها عن قرب.

جلس العزير في ظل شجرة، واستلقى الحمار إلى جانبه يستريح، وأخرج العزير طعامه، وعصر بعض حبات العنب على الخبز ليصبح طرياً يستطيع أكله، شرب بعض الماء، وانتظر حتى يلين الخبز.. وكعادته جلس يتفكر ويقول في نفسه: يا إلهي.. مات أهل هذه القرية، ولم يسكنها أحد من بعدهم.. وها هي بيوتها تصدَّعت وانهار بعضها، أصبحت خراباً موحشة ينعق فيها البوم.. انتهى أمر القرية.. فهل يمكن لها أن تعود للحياة مرة أُخرى؟ وكيف لأهلها الذين أصبحوا عظاماً بالية أن يُعيدهم الله للحياة مرة أُخرى ليحاسبهم على كل شيء فعلوه؟؟ كيف يُحيي الله الأجساد التي أصبحت تراباً؟ كيف يجمعها مرة أُخرى ويحييها؟

العزير يُفكِّر ويُحدِّثُ نفسه، والله من فوق سبع سماوات يسمع ويرى.. أرسل الله له في الحال مَلَكاً أماته.. مات العزير وحماره، ليجعله الله آية لمن يُشككون في البعث مرة أُخرى.. ويعلم العزير كيف يُحيي الله الأجساد بعد أن تبلى والعظام بعد أن تتفتت!

طالت غيبة العزير.. وانطلق أهله وقومه يبحثون عنه في كل مكان.. في البستان، في القرية، في الطريق، في كل مكان اعتاد الذهاب إليه، ولكن دون فائدة.. لم يعثروا له على أثر!

وتوالت الأيام والأعوام.. ونسي الناس العزير، وبقيت قصة اختفائه الغامضة يحكيها الآباء لأبنائهم وأحفادهم.. مئة عام مرت قبل أن يًرسل الله مَلَكاً للعزير، ردَّ له الروح.. نهض العزير واقفاً، ونظر إلى الشمس فوجدها على وشك المغيب، فسأل الملك العزير: كم لبث؟ فقال العزير: يوم أو جزء من يوم!

فقال الـمَلك: بل لبثت مئة عام.. انظر إلى طعام لم يفسد، وانظر إلى حمارك

نظر العزير، فوجد التين والعنب والخبز كما هو، ونظر غلى الحمار فوجده عظاماً بالية

تعجب العزير.. ونادى الـمَلك العظام فتجمَّعت من بين التراب وأصبحت هيكلاً عظيماً، أخذ اللحم يكسوه ثم انتشرت فيه الروح فنهض على حوافره وأخذ ينهق.. قال العزير بيقين: إن الله على كل شيء قدير.

عاد العزير إلى قومه فلم يصدقوا قصته وكذَّبوا أن يكون العزير، فجاءت عجوز عمياء وقالت: أنا أعرف العزير.. فدعا لها أن يرد الله بصرها، فلما أبصرت ورأته قالت: إنه هو العزير..

أخذ اليهود يدَّعون كذباً ويقولون: عزير ابن الله.

فبدل أن يزداد إيمانهم بالله.. كفروا وازدادوا كفراً.. فسبحان الله عما يصفون!