فلسطين أون لاين

تقرير "خاصكى سلطان".. مرفأ فقراء القدس منذ 500 عام

...
خاصكي سلطان- أرشيف
القدس المحتلة-غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

أكثر من 500 عام وتكية "خاصكي سلطان" في القدس تسد رمق الفقراء خاصة في شهر رمضان الكريم، بتقديم الوجبات الساخنة لهم، ففي مبنى أثري قديم في أحد الأزقة القريبة من المسجد الأقصى، ينهمك عدد من الموظفين في إعداد تلك الوجبات ليقدموها للفقراء من القدس ومحيطها.

فالطاهي سمير جابر الذي يعمل في التكية منذ أكثر من 26 عاماً يعتبرها "بيته الثاني"، مبيناً أنه يعمل وزملاؤه على مدار العام لتقديم شوربات ساخنة ووجبات غذائية، ويتضاعف العمل خلال شهر رمضان المبارك.

وأضاف: "نعمل في رمضان بنظام الفترتين، الأولى منذ الصباح وحتى ساعات الظهيرة ويتم توزيع ما تم طهيه على الفقراء والمحتاجين، والثانية نطهو فيها لموظفي وحراس وسدنة المسجد الأقصى الذين لا يغادرونه خلال الشهر الفضيل".

وتتنوع الأصناف التي يتم طهوها –وفق جابر- كـ"المطفية بالزهر"، الفاصولياء، البامية، البطاطا، والأرز، والبازيلاء، سواء مع دجاج أو لحم عجل، حسب قيمة التبرعات أو مساهمات التجار ورجال الأعمال.

رافد اقتصادي

بدوره، يبين المدير العام لدائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، الشيخ عزام الخطيب، أن التكية أسستها السلطانة روكسيلانة "يطلق عليها اسم خُرّم سلطان" زوجة السلطان العثماني سليمان القانوني، وأوقفت عليها أوقافاً كثيرة في فلسطين.

ويلفت إلى أن التكية أقيمت في عام 1552 ميلادي، حيث أوقفت السلطانة العثمانية أكثر من 90 مدينة وقرية، لتكية خاصكي سلطان، "لكنها اليوم، تعتمد في تمويل توفير الطعام على بعض المحسنين ودائرة الأوقاف الإسلامية ووزارة الأوقاف في الأردن".

ويقول الخطيب: "هي حالياً أهم مرفد اقتصادي للفقراء في مدينة القدس، وخاصة من يعيشون في جوار المسجد الأقصى المبارك وفي البلدة القديمة من مدينة القدس ومن يأتي من المناطق القريبة من البلدة القديمة خاصة من المدن والمخيمات المجاورة".

وتقدم التكية الوجبات الساخنة لنحو 100 عائلة في الأيام العادية، أما في شهر رمضان فإن هذا العدد يرتفع إلى أكثر من 250 عائلة.

ويمضي الخطيب إلى القول: "تقدم تكية خاصكي سلطان الوجبات الساخنة طوال أيام السنة للوافدين إلى المسجد الأقصى المبارك، ولمن يحتاج إليها من الفقراء والمساكين".

محبوبة السلطان

وسُميت بـ"خاصكي سلطان"، أو محبوبة السلطان، وهو اللقب الذي كانت تحمله السلطانة، وتعد هذه التكية هي من أهم التكايا التاريخية في مدينة القدس، وفق الخطيب.

وتقع التكية العثمانية داخل ركن من مبنى أثري قديم بالبلدة القديمة، شرقي مدينة القدس، وبالتحديد في حي "الواد"، على مقربة من بوابة الناظر، في الجدار الغربي من المسجد الأقصى.

ويمكن الوصول إلى التكية من خلال باب خشبي كبير يؤدي إلى ساحة كبيرة تفضي إلى التكية التي تشتهر أيضا بتقديم شوربة الجريشة، الذي يعتبر القمح مكونا رئيسًا لها.

وحاليًا يتم الطبخ باستخدام الغاز، وفي قدور ضخمة جدا وحديثة، أما الغرف القائمة في جهتها الغربية فقد تم تحويلها إلى مستودع للمواد التموينية والحبوب، أُعد بشكل جيد لضمان أعلى قدر ممكن من النظافة.

وفي الجهة الشمالية المقابلة لقاعة المطبخ يقع فرن قديم، غير أنه بسبب نقص المساعدات المالية فهو مغلق في أغلب الأوقات.

وبمرور قرابة 500 عام على إنشائها، فإن تكية خاصكي سلطان، لم تتوقف عن تقديم الطعام الساخن للفقراء.

تعزيز الصمود المقدسي

ونظرا لارتفاع الأسعار والضغط الضرائبي من سلطات الاحتلال والركود الاقتصادي في المدينة، يلجأ الكثير من المواطنين من أهل القدس ومن غيرها ومن الوافدين إلى تكية خاصكي سلطان.

ويتابع الخطيب: "نحن لا نفرق بين من يأتي الى التكية سواء مسلم أو مسيحي، فهناك من أخوتنا المسيحيين من يأتون إلى التكية ويتناولون الطعام".

ويصل الفقراء والمحتاجون إلى التكية، ومعهم أطباق وأوانٍ لأخذ الوجبات فيها، في فترة الظهيرة، مبيناً أن التكية تسهم في صمود المقدسيين وعدم هجرتهم من البلدة القديمة.

وتقدر أعداد الفلسطينيين في شرق القدس المحتلة بنحو 340 ألفاً، يعيش أغلبهم تحت خط الفقر، بسبب ارتفاع مستوى المعيشة في المدينة.

ووصف المؤرخ عارف العارف في كتابه "المفصّل في تاريخ القدس"، التكية، بأنها "من خيرة الأماكن الخيرية التي أنشأها الأتراك العثمانيون بالقدس، إذ منذ تأسيسها إلى الآن، يُقدم المشرفون عليها الغذاء لعدد كبير من الفقراء مجاناً، وفي كل يوم".

وأضاف "إن نفقات التكية، كانت تُدفع من ريع الأملاك التي أوقفتها السلطة لصالحها".

واستنادا إلى نشرة تعريفية أعدتها الأوقاف الإسلامية فإن "تكية خاصكي سلطان كانت من أكبر المؤسسات الخيرية في فلسطين طيلة العهد العثماني، وقد استمرت في تقديم الخدمات للفقراء والمرابطين والمسافرين لمئات السنين".