بعيدًا عن الألوان السياسية والضغوط الاقتصادية، تجمع مبادرة "فطورك عليك والمكان علينا" العشرات من الشباب في مخيم جباليا والمناطق الأخرى أيضاً في أجواء اجتماعية وروحانية مميزة جعلتهم راغبين بتكرار التجربة مرة أخرى.
علم الشاب محمد أبو حمدة من مدينة غزة بالفكرة من خلال شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، فجهز نفسه قبيل أسبوع للتوجه إلى المخيم الواقع شمال قطاع غزة، والاستمتاع بحالة راحة من الأعباء اليومية الملقاة على عاتقه.
لم يندم أبو حمدة أبداً على المشاركة التي جعلته يحظى بأجواء شبابية رائعة ويرى الكثير من الشباب، هاربين من هموم السياسة التي أثقلت كاهلهم في تجمع شبابي بعيد عن أي انتماءات حزبية.
ولرفع الحرج عن الشباب فإنّ كلاً منهم أحضر ما يستطيعه من طعام بيته، وهذا جعل الشباب يستمتعون بنزهة وأجواء لطيفة بعيداً عن "الهم الاقتصادي" الذي يرهق كاهل الكثيرين منهم، وفق أبو حمدة.
ويصف أبو حمدة المبادرة بأنها "فرصة جميلة" للاجتماع بشباب من مختلف الفئات والأعمار، وسط أجواء عفوية لا تشعر الشباب بأنهم مقيدون بأي بروتوكولات قد يفرضها أي مجلس آخر.
وهذه هي المرة الثانية التي يستضيف صاحب المقهى إبراهيم رابعة، المبادرة منذ انطلاقها قبل عامين.
ويقول إن المبادرة تجميع شباب مخيم جباليا وغيرهم من الشباب الذين يعرفون بعضهم فقط عبر وسائل التواصل الاجتماعي للالتقاء في مكان محدد وتناول الإفطار الرمضاني سوية.
ويضيف رابعة: "كان اللقاء مميزاً، وطّد العلاقات بين الشباب المشاركين، دون أي تكلفة مادية فقد استضفتهم مجاناً سوى من تبرعات بسيطة لتوفير منظفات وعصائر وغيرها".
ويرى أن الشباب الفلسطيني بحاجة لجلسات تسودها أجواء غامرة من السعادة، "بعيداً عن أي تنظيمات سياسية، فروّحنا عن أنفسنا كشباب، فنحن نعرف كيف نقتنص الفرح من بين كم الهموم والضغوط السياسية والاقتصادية التي تقتل أحلامنا وتضيع أعمارنا".
فكرة مصرية
من جانبه يبين صاحب المبادرة الصحفي عمرو أبو ندى أن المبادرة تعقد للمرة الثانية وفكرتها مستمدة من فكرة مصرية يتم تنفيذها في بعض المناطق والحارات الشعبية كـ"الحسين" و"السيدة نفيسة" تقوم على تجمع الجيران للإفطار في غالبية أيام رمضان حول طاولة كبيرة في الشارع.
يقول: "يجلب كل منهم طعام الإفطار من بيته ويتناولونه معاً في أجواء تشاركية، ولكن لصعوبة تجميع سكان الحي في مناطق غزة، فكرتُ في تجميع الشباب عبر لقاء اجتماعي حمل هذا الاسم (فطورك عليك والمكان علينا)".
ويشير إلى أن المبادرة الأولى نفذها في عام 2019 م ثم انقطع عن تكرارها عامين بسبب "جائحة كورونا" وصعوبة التجمعات، "فما إنْ انزاح هم الجائحة حتى عدتُ لتكرارها، واخترتُ أن تكون في مخيم جباليا لنثبت أن المخيم فيه نخب مثقفة ومتعلمة بعيداً عن أي صورة نمطية يحملها البعض عن المخيمات".
أجواء روحانية
ويخبر أبو ندى، أن بعد تناول طعام الإفطار كانت هناك فقرة مديح نبوي و"أجواء روحانية جميلة، استمتع بها الشباب في منطقة شجرية مفتوحة"، معرباً عن سعادته بنية بعض المشاركين من بلدة بيت لاهيا محاكاة المبادرة".
وينبه إلى أنه أعلن عن المبادرة عبر صفحته الشخصية على شبكة "فيسبوك" وصفحة "مخيم جباليا" وهي صفحة اجتماعية يديرها هو أيضاً، فلقي تجاوباً من قبل 350 شاباً، عدد كبير منهم من مدينة غزة، والمحافظات الوسطى والجنوبية.
ويلفت إلى أنه تعمد رص الطاولات بجانب بعضها لتشكل طاولة واحدة ممتدة بما يتيح التقارب والألفة بين الشباب المشاركين، ويسمح بتبادل أصناف الطعام وأطراف الحديث.
وما زاد التفاعل فقرة المسابقات والألعاب التي أضفت جواً من المرح على المجتمعين، مؤكداً أن الشباب بحاجة ماسة لمثل هذه التجمعات التي تبعدهم عن هموم السياسة ووطأة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي يعيشونها، منبهاً إلى أن المبادرة شملت أيضاً مساعدة الشباب مادياً وعينياً وتوفير فرص عمل لهم من خلال بعض المعارف.
ويعرب عن عزمه بأن تكون المبادرة نهجاً رمضانياً دائماً، وأنْ يتمكن من تكرارها، لافتًا إلى أن المبادرة في عامها الأول لاقت استحسانًا وتشجيعاً من الكثيرين حتى تشكل شبه فريق من خمسة أفراد ساعده في تنفيذ المبادرة للمرة الثانية.