يخشى الاحتلال الإسرائيلي من أن تؤدي الأحداث الجارية في المسجد الأقصى إلى اندلاع مواجهة شاملة على غرار ما حدث في (معركة سيف القدس)، لذلك اتخذ الكثير من الإجراءات على الأرض منها منع ذبح القرابين خلال عيد الفصح اليهودي، وإفشال وصول مسيرة الأعلام إلى الأقصى، وتعزيز قواته في كافة المناطق؛ في "القدس، والضفة، والداخل المحتل، ومحيط القطاع"، وقدر أصدر مؤخرا رئيس أركان جيش الاحتلال أفيف كوخافي تعليمات إلى قيادة المنطقة الجنوبية بالاستعداد لأي تصعيد محتمل على الحدود مع قطاع غزة، واحتمال شن عملية عسكرية، في ظل مخاوفه من إطلاق الصواريخ على الأهداف الاسرائيلية من جراء ما يحدث في الأقصى.
تزامنت هذه المخاوف والاستعدادات مع تحركات أخرى يجريها العدو الإسرائيلي من خلال الوسطاء؛ للتأكيد على أنه لا يرغب في التصعيد ومعني بتثبيت حالة الهدوء، وفي ذات الوقت يرسل تهديداته المستمرة بأنه يستعد لتنفيذ عملية عسكرية ضد القطاع حال استمر تنقيط الصواريخ أو حتى في حال كان هناك رد للمقاومة على ما يجري في القدس والضفة الغربية، هو يريد من خلال ذلك؛ 1/ كسب مزيد من المواقف العربية والدولية لصالحه بأنه معني بالهدوء، 2/ إنذار المقاومة وتحذيرها بأن أي تحرك من غزة من أجل القدس والأقصى سيقابل برد قوي وواسع ضد القطاع، 3/ تحقيق مكاسب سياسية يقدمها لجمهورها في ظل الشعور الداخلي بأن هذه الحكومة ضعيفة ومترددة أمام المقاومة.
المقاومة بدورها تعيش "حالة استثنائية" اليوم فقد أعلنت حالة النفير العام في صفوفها ورفعت درجت التأهب تحسبا لأي طارئ؛ لأنها تدرك تماما بأن الظرف خطير جدا ومتفجر، خصوصا في ظل ما يتعرض له الأقصى من اعتداءات متكررة واقتحامات وحشية، وأرسلت للوسطاء رسائل واضحة؛ بأن القدس والأقصى خطان أحمران وأن أي تغيير يطرأ على واقع القدس والأقصى سيؤدي لرد غير مسبوق من المقاومة، وأن الكرة الآن في ملعب الاحتلال وما عليه سوى وقف عدوانه؛ لأن ممارساته العدوانية ستؤدي لتفجير المشهد برمته، وأن حديث الاحتلال عن إمكانية شن عملية عسكرية على القطاع هي مغامرة ستكلفه أثمانا باهظة ولن يحقق من خلالها أي من أهدافه سواء السياسية أو العسكرية.
هذه التطورات يقرأها العديد من الأطراف العربية والدولية بقلق شديد ويسعون "لاحتواء الموقف" ومنع انزلاق المشهد لمواجهة كبيرة، وقد ظهر ذلك من خلال "عشرات الاتصالات" التي أجريت مع المقاومة في محاولة لإقناعها بعدم إطلاق الصواريخ تجاه الأهداف الإسرائيلية ردا على ما يحدث في الأقصى، والمحافظة على حالة الهدوء، ومنع الانجرار لمواجهة شاملة كما حدث في "معركة سيف القدس"، هذا الحراك السياسي والدبلوماسي للأطراف كان مهما جدا إذ حاولت قيادة المقاومة من خلاله تحقيق عدة أهداف منها، أولا: وضع جميع الأطراف في صورة الانتهاكات الخطيرة للاحتلال بحق الأقصى والأراضي الفلسطينية، ثانيا: توضيح موقف المقاومة مما يجري، ثالثا: إفهام الأطراف أن العدوان الإسرائيلي سيشكل دافعا للمقاومة للرد بشكل غير مسبوق.
وقد شهد قطاع غزة تطورات متسارعة في الساعات الأخيرة بعد أن قام سلاح الجو التابع للاحتلال بشن غارات واستهداف مناطق مفتوحة في قطاع غزة بزعم إطلاق صاروخ أو صاروخين خلال الأيام الأخيرة، الأمر الذي دفع المقاومة لإرسال "رسائل جوية" غير مسبوقة اتجاه طائرات الاحتلال فقد تم استهداف الطائرات بصواريخ ستريلا الروسية المضادة للطائرات، في رسالة واضحة من المقاومة بأنها: لن تقبل بأي عدوان جديد على القطاع وأنها يمكن أن تفاجئ العدو من حيث لا يتوقع، وأن طائراته ستكون أمام مخاطر جديدة، وأن منظومة الدفاع الجوي للمقاومة باتت تمتلك إمكانات مختلفة يمكن من خلالها عرقلة أو إعاقة عمل هذه الطائرات، أو الحد من نشاطها، وأن إمكانية إسقاط أو إصابة هذه الطائرات واردة في أي مواجهة محتملة.
هذه المعطيات وغيرها من الأحداث المتسارعة تجعلنا أمام إمكانية اندلاع مواجهة قريبة، لكن يبقى الميدان هو الحكم في هذا الأمر، إذ إنه يمكن أن تندلع المواجهة لأسباب مختلفة: 1/قد تكون من قلب الأقصى عبر تخطي الاحتلال الخطوط الحمراء وتماديه في عدوانه، 2/أو بسبب ما يجري في الضفة الغربية وبالتحديد مخيم جنين حال قيام العدو باقتحامه، 3/أو حتى بسبب عملية فدائية تكون نتائجها كبيرة على العدو الاسرائيلي، 4/أو بسبب إطلاق صواريخ من قطاع غزة، لكن في المحصلة العدو جرب كثيرا المقاومة الفلسطينية وعجز تماما عن تحقيق أهدافه، فيما نجحت المقاومة بتثبيت قواعد اشتباك جديدة، وتكفي الإشارة إلى أهم ما رسخته المعركة الأخيرة حينما فرضت معادلة غزة القدس، وأصبح الاحتلال يخشى أن يقوم بحدث كبير في القدس والأقصى فيؤدي ذلك لإطلاق مئات الصواريخ من غزة.