يمضي الداعية الفلسطيني عبد اللطيف قوش رمضانه الأول في دولة إندونيسيا إمامًا لمساجدها، وسفيرًا للقضية الفلسطينية، يلتف حوله الإندونيسيون بشغف ليسمعوا ما يقوله عن أحوال فلسطين وغزة.
والداعية قوش واحدٌ من عددٍ من دعاة غزة الذين تستضيفهم مؤسسات إندونيسية لعذوبة صوتهم وتمكنهم من القرآن تلاوة وتجويدًا.
ولم يتردد قوش عندما عرض عليه ابن عمه الذهاب إلى إندونيسيا ضمن برنامج ديني رمضاني تقوم عليه مؤسسة "إنساني" الإندونيسية، فخضع قوش لمقابلة قبل أن يحزم أمتعته مغادرًا غزة قبيل رمضان بأيام في رحلة سفر شاقة حطت به أخيرًا في الدولة الإسلامية الأكبر.
يتنقل قوش في البلد الآسيوي ذي المناخ الحار الممطر بين جزيرة سولاويسي وباليكبابان، ومقاطعة كلمنتان إذ يؤم مساجدهما ويلقي المواعظ الدينية، ويتحدث عن أحوال فلسطين المحتلة.
يشعر قوش بالسعادة للاحتفاء الشعبي الإندونيسي به، "فهم يعشقون فلسطين، ولذلك تفضل بعض المؤسسات هنا استجلاب قراء فلسطينيين يتلون عليهم القرآن بمخارج سليمة، لصعوبة ذلك على أهل البلد الأصليين لكونهم أعاجم، كما أن في غزة الكثيرين يصلون لمرحلة عليا من إتقان التلاوة وأحكامها ما يجعل الكثير منهم قادرين على الإمامة".
ويشير إلى أن الأئمة الإندونيسيين ورغم تمتعهم بأصواتٍ ندية مميزة فإنهم لا يتقنون مخارج الحروف رغم اجتهادهم لصعوبة اللغة العربية على نطقهم، "فوجدتهم يلتفون حولي باهتمام كبير وأنا أعلمهم قراءة القرآن بالشكل السليم خاصة سورة الفاتحة".
ويعبر قوش عن إعجابه بالأجواء الإندونيسية الرمضانية المميزة، فتنطلق مكبرات الصوت في المساجد قبيل كل صلاة لتذيع القرآن الكريم والابتهالات والتواشيح الدينية بصوت القراء العرب المشهورين كالشيخ مصطفى إسماعيل ومشاري العفاسي ونصر الدين طوبار، فتنشر أجواء إيمانية رائعة وتشير إلى اقتراب موعد الصلاة خاصة قبل صلاة الفجر.
الدعوة للصلاة بقرع الطبول
وأهم ما يميز الإندونيسيون الصلاة بطمأنينة وخشوع بشكل لافت للنظر، "تجد الواحد منهم مستغرقًا في صلاته بكل راحة وطمأنينة لا يلتفت عنها بتاتًا".
وبعد كل صلاة -وفق قوش- يجلسون في جماعة يستغفرون ويسبحون ويهللون ويذكرون الله مع الإمام، ثم يدعو الإمام دعاء جماعيًّا والجميع يؤمن على كلامه.
أما في صلاة التراويح التي يصلونها حسب المساجد ما بين ثمانية إلى عشرين ركعة فيجلسون بعد كل ركعتين للصلاة على النبي وذكر الله، مشيرًا إلى أن ما أثار انتباهه هو عادة إندونيسية قديمة تتمثل في وضع طبلة مصنوعة من جلد البقر في المسجد يقرعها رجل كبير قبل موعد الأذان.
وهناك فروقات بين سولاويسي وكليمنتان مثلًا في صلاة النساء للتراويح، ففي "سولاويسي" (تعد مكانًا قرويًا) تجد النساء يصلين وراء الرجال وبينهما ساتر قصير ارتفاعه قرابة المتر، فيما تكون هناك خزانة في المسجد تحتوي على أثواب صلاة يمكن لأي امرأة أن ترتدي واحدًا منها، أما في "كليمنتان" (منطقة حضرية متطورة) فإن المساجد تكون عدة طوابق يُخصص طابق منها للنساء.
أما في "بلك بابان" يكون الساتر بين الرجال والنساء طويلًا، ويكون هناك أيضًا أثواب للنساء و"الإزار" للرجال كوقف في كل المساجد ومعظم المدن.
وبمجرد أنْ يعرف رواد أي مسجد أن قوش فلسطيني يتحلقون حوله وكأنه "من أولياء الله الصالحين" يريدون أن يعرفوا كل شيء عن فلسطين التي يعشقونها بشكل غير طبيعي، ويلتقطون الصور معه، ويقوم الأطفال بالتسليم عليه وتقبيل يده (وهي عادة إندونيسية يربون عليها صغارهم في التعامل مع الأئمة).
تواضع وحب للتعلم
ولا يعرف الإندونيسيون التكبر أبدًا، فما إنْ يرى الأئمة منهم الفرق بين قراءة "قوش" وقراءتهم للقرآن يلتفون حوله بعد الصلاة ليتعلموا منه -خاصة أن معظم الأئمة لا يحسنون التلاوة ولا سيَّما في القرى التي لا يوجد بها مدارس للقرآن- ويتدارسون القرآن معه، فيشعر بعظم تواضعهم وحرصهم على تعلم شؤون دينهم.
ولا يقتصر دور قوش على الإمامة في الصلاة، إذ يجلس بعد صلاة العصر للتعريف بالقضية الفلسطينية عبر ندوات تنظمها الجمعية المستضيفة، فيكون هناك كلمة لأحد القائمين على الجمعية عن قضية فلسطين والعدوان الإسرائيلي المتكرر على المسجد الأقصى.
ويشير إلى أن الإندونيسيين يحبون أن يعرفوا كل شيء عن تاريخ فلسطين وقضيتها، وكيف احتلها البريطانيون ومن ثمّ الاحتلال الإسرائيلي و"هيكل سليمان" والمسجد الأقصى والقدس.
وينخرط الإندونيسيون في بكاء مرير عند عرض فيديوهات عن القضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي على غزة، خاصة عند رؤية مشاهد المجازر الإسرائيلية ومظاهر الاعتداء على النساء الفلسطينيات، ويُبادرون للتبرع للفلسطينيين.
ويقوم قوش بشرح بعض الأوضاع الفلسطينية في درس تثقيفي وتوعوي أو ندوات، فيلتف المصلون حوله ويغمرونه بالدعوات من قبيل "نصركم الله" و"حفظكم الله".