فلسطين أون لاين

​يكبر الأبناء وتتعقد الحياة.. فهل يهدأ بال الآباء يومًا؟

...
غزة - فاطمة أبو حية

يُقال في المثل الشعبي: إن "الأولاد يكبرون ويكبر همهم معهم"، وكثيرا ما يردد الآباء والأمهات هذا المثل مبدين قناعتهم الكبيرة فيه، ومعددين التجارب التي تثبت صحة المثل، وأن زيادة أعباء الأبناء حقيقة لا تتوقف عند بلوغهم عمرا محددًا، بل وتتوسع أكثر بدلا من أن تنحصر.. فما الذي يجعل العبء الملقى على عاتق الأهل يزداد؟

ضاعت الجهود..

السيدة الخمسينية "أم أحمد" تقول، وقد تحفظت على ذكر اسمها، إنها رُزقت بثلاث بنات وابن ذكر واحد، وكانت توليه عناية خاصة لتضمن حسن سيره وسلوكه، ولتبعده عن الطريق الذي يسير فيه والده، حيث الانحراف والاستهتار، لكن النتائج كانت غير مرضية على الإطلاق.

وتضيف: "كنت أعرف أن الطلاق نهايةٌ حتمية لزواجي الفاشل، لذا كنت حريصة في تربيتي لأبنائي على غرس القيم فيهم حتى لا يتخلوا عنها بعدما أغيب عنهم، وبذلك ظننت أنهم عندما يكبرون سيكونون على قدر المسؤولية وسأكون قادرة على تركهم وأنا مطمئنة"، متابعة: "وقع الطلاق كما توقعت، وعدت إلى عائلتي في غزة تاركة أبنائي مع والدهم في الغربة، وما حدث أن البنات الثلاث ما زلن ملتزمات بما ربيتهن عليه، أما ابني فقد فقدت الأمل في صلاحه".

وتواصل: "ربيته على الصلاة، وحفظ القرآن، وارتياد المساجد، والاهتمام بأخواته، وعندما تركته كان في التاسعة عشر من عمره، فظننت أنه لن يحيد عن الطريق، لكن حدث العكس، فقد ابتعد كل البعد عن الالتزام الديني، وفشل في تعليمه الجامعي، وقطع علاقته بي وبأخواته، ويرفض العمل في أي مهنة مكتفيا بمصروفه اليومي الذي يأخذه من أبيه ليشتري به السجائر، وأخيرا أخبرتني بناتي بشكوكهن بأنه يتعاطى المخدرات".

وتوضح: "ربيته ليكون سندي في الحياة، لكني في آخر مكالمة هاتفية معه قبل ثلاثة أشهر قلت له: (أنت مش ابني)"، مبينة: "بالفعل يكبر همّ الأبناء، فأنا أفكر فيهم ليل نهار، وخاصة في هذا الابن، ولكن ليس أمامي سوى أن أدعو له بالهداية".

أما "مريم سعود"، فتقول: "كل ظنون الآباء والأمهات بأنهم سيطمئنون على أبنائهم تماما يوما ما غير صحيحة، وهي ظنون تثبت خطأها التجربة"، مضيفة: "التوسع في تحمل مسؤولية الأبناء يكون في كل نواحي الحياة، فمثلا عندما يكبرون تزيد احتمالات وقوعهم في مشكلات مع الآخرين، وبدلا من أن يكون الخصام سلاحهم، سيشتبكون بالأيدي، وفي فترة المراهقة قد تجد من أصدقائهم من يتعارك معهم باستخدام (المطوة)، وكذلك تزداد مصروفاتهم".

وتبين: "يعتقد البعض أنني ارتحت بعد أن تزوج كل أبنائي وبناتي، ولكن الحقيقة أنني بت أفكر في عدد أكبر من الأشخاص، فأنا في بعض الأحيان لا أنام الليل لأن ابنتي غاضبة من زوجها، ولأن الأخرى تأخرت في الإنجاب، ناهيك عن أن ابني الأكبر أصبح جدا، مما يعني أنني أفكر في أحفاده أيضا، بل وأشتاق لهم في غربتهم".

تزداد تعقيدًا

وتقول الأخصائية النفسية الدكتورة عايدة صالح: "يظن بعض الآباء والأمهات أن مسؤولياتهم تجاه أبنائهم ستقبل كلما كبروا، لكن الحقيقة غير ذلك، بل هي على العكس تماما"، مضيفة: "كلما تطورت الحياة يزيد تعقيدها، وتصبح تفاصيلها أكثر صعوبة".

وتتابع في حديثها لـ"فلسطين": "التفكير في الأبناء والخوف عليهم لا يتوقف عند مرحلة عمرية معينة، فاحتياجات الطفل المعنوية والمادية لا تساوي شيئا بالمقارنة مع الشاب، الذي يحتاج إلى المزيد من كل شيء، سواء في التوعية أو المصروفات أو غيرهما، وعندما يتزوج الابن يتوسع اهتمام والديه ليشمل أسرته الجديدة، ويمتد تفكيرهما إلى زوجته وأبنائه واحتياجاتهم".

وتوضح أن فترة المراهقة هي أصعب المراحل العمرية بالنسبة للأهل في خوفهم على أبنائهم، وفيها تزداد المتاعب الناتجة عن رعاية الابن، وعلى الآباء والأمهات أن يولوا الابن في هذه السنوات المزيد من الاهتمام والرعاية، مشيرة إلى أن السبب في صعوبة هذه المرحلة يعود إلى التغيرات الكثيرة والسريعة التي تصيب المراهق.

وتبين أن مرور هذه المرحلة وغيرها بسلاسة وبلا مشاكل كبيرة يتطلب اهتماما من الأهل في تطوير الجانب الثقافي المتعلق بالتربية لديهم، بحيث يتعرفون على خصائص المراحل العمرية المختلفة ومتطلبات كل منها والتعامل مع المشاكل بمرونة.

وتؤكد: "إن لم يهتم الأهل بتنمية معارفهم التربوية ولم يحسنوا التعامل مع أبنائهم في فترة المراهقة، وإن أفلت منهم زمام السيطرة عليهم، فالتبعات السلبية ستطال كلا الطرفين، بحيث يمكن أن يقع الأبناء في مشاكل يتضرر بسببها الأهل، وكذلك الأبناء أنفسهم قد يتضررون نفسيا بسبب سوء تعامل الأهل معهم".

وتقول صالح: "في المقابل، يجب ألا نغفل الجانب الإيجابي، فزيادة عمر الأبناء تعني زيادة الخبرة لديهم، وهي مفتاحهم للتعامل مع الواقع بشكل جيد، وكلما كبروا أكثر فهذا يعني أن شخصياتهم تتكون، وأن ملامح حياتهم تزداد وضوحا، وأنهم ماضون في حياتهم وإنجازاتهم".

وتضيف: "يجب ألا يُحمّل الأهل الأمر أكثر من طاقته، فلا يعقّدوا المشاكل وكأنهم غير قادرين على تحمل المسؤولية"، متابعة: "مما يخفف عن الأهل تبعات كبر أبنائهم تعويدهم منذ نعومة أظفارهم على الاعتماد على النفس".