الميدان والمقــاومة والشعب الفلسطيني، يفرض ما فشلت قيادة المقاطعة في فرضه، أو أسهمت بضعفها في عدم فرضه، إن لم نقل لم ترغب هذه القيادة في فرضه أصلًا، وهو أنّ قضية الشعب الفلسطيني المظلوم، هي قضية عادلة، ولا يمكن لأحد أن يتجاهلها، فقد شُكّلت هذه المقـــاومة لاعتــداءات (إسرائيل) المستمرة، وخصوصًا على المسجد الأقصى، رافعةً متينةً للقضية الفلسطينية برمّتها، وأجبرت (إسرائيل) والعالم على التعامل معها، فلا أمن ولا استقرار، بدون تحقيق الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني الجريح، حتى وإن طبّعت بعض الأنظمة العربية، وتعاونت قيادة المقاطعة أمنيًّا مع الاحتــلال، واستمرت حركة عربية إسلامية في دعم ومساندة وحماية الائتلاف الحكومي في (إسرائيل)؛ فالشعب والمقاومة، هما من يُقرّر ويُحدّد الأجندة، وهذا هو النجاح الأول لمقــاومة وهبّة 2022، والتي بدأت بعمليات طعــن فردية، وتستمر بصورة أكثر تنظيمًا حاليًّا.
إسرائيليًّا وإقليميًّا احتــلت أخبار المقــاومة في القدس والضفة وكل أنحاء فلسطين، عناوين الأخبار بعد أن كان الموضوع الأوكراني في الطليعة، وهو أمر يضرُّ بمصالح (إسرائيل)، ومصالح أمريكا في المنطقة والعالم، وقد يفيد بعض الشيء بوتين، وحملته على أوكرانيا، (ومصائب قوم عند قوم فوائد).
والأهم من ذلك كله هو أن تنجح قيادات الشعب الفلسطيني "المقـــاومة"، في استثمار هذه الأحداث لتحقيق إنجازات سياسية لمصلحة القضية الفلسطينية، ومقـــاومتها المشروعة ضد الاحتـــلال، خاصة في المسألة الأهم حاليًّا وهي: حماية المسجد الأقصى من تغوُّل قطعان المستوطنين و(بن غفير)، وقد حقّقت فعلًا إنجازًا على شكل تراجع مسار (مسيرة الأعلام)، وهذا إنجاز ثانٍ لهذه المقاومة.
أما ثالثًا: فقد فاجأت صواريخ غزة -20/4- قيادة الاحتــلال، فبعد ما ظنّوا أنّ مسألة (مسيرة الأعلام) الاستفزازية، قد مرّت بفهم وإدراك فلسطيني وحمـــساوي، أنه تم تحقيق انتصار في الوعي على الأقل، من خلال إجبار مجموعات يهودية إرهـــابية ومتطرفة بتغيير المسيرة، جاء صاروخ واحد من غزة ليربكَ الاحتـــلال قيادةً وشعبًا، فقيادة (إسرائيل) المتفاجئة في الفترة الأخيرة، لا ترغب أن تدرك بأنّ المشكلة ليست في مسار المسيرة فحسب؛ بل في كلّ ممارسات الحكومة الفاشيّة، ومعارضتها النازية في (إسرائيل)، وخصوصًا الاستيطان والاعتداء على مقدسات المسلمين، ومحاولة اقتسامها مع الإرهــاب اليهودي.
رابعًا: نجح تكتيك المقـــاومة في قطاع غزة، في (التدخل الصاروخي المحدود والمعدود، وفي اللحظة المناسبة)، التي بدا فيها وكأن مقـــاومة الضفة والقدس، قد بدأت تستنفذ وسائلها في ظل بلوغ الاستفزاز الإسرائيلي حدّه، وتجاوز ضعف القيادة الفلسطينية الرسمية في المقاطعة، وفي ائتلاف حكومة (إسرائيل) التصور، نجح هذا التدخل المناسب على الأرجح، في تحطيم محاولات (إسرائيل)، للتفريق بين الساحات، وهي سياسة واستراتيجية مركزية للاحتــلال في مواجهة الشعب الفلسطيني، فهي لا تريد أن يتكرّر سيناريو (ســـيف القدس) السنة الماضية، ولا يعني ذلك بأنّ مصلحة الفلسطينيين الآن، هي أن تخوض غزة حـــربًا واسعة، وإنما أن تشارك ولو بالحدّ الأدنى، كما تمّ حتى الآن أي: (شكل محدود ومعدود) لتحافظ أيضًا على الردع، وهذه مصلحة تتقاطع حاليًّا مع مصلحة الاحتــلال، والذي يخشى المزيد من التصــعيد.
خامسًا: لو سكت الفلسطينيون، أو واجهوا (إسرائيل) بضعف، لسكت العالم ومنه العربي والإقليمي؛ ولكن مشاهد الفلسطينيين، وهم يدافعون بصدورهم العارية عن مسجدهم المبارك، ويدفعون ثمنًا لذلك دماءهم ومُقَل عيونهم، نيابةً عن الأمة جميعها، أجبرت حكام وأنظمة على التدخل بقوة، خاصة التدخل الأردني المُتميّز في زمن التخاذل العربي، وقد وصل الأمر لاحتجاج إماراتي فاجئ "نفتالي بينيت" نفسه، وصل لدرجة إلغاء المشاركة في احتفالات قيام دولة (إسرائيل)، على أنقاض الشعب العربي الفلسطيني في (نكبة 48)، كذلك احتجاج وتحذير تركيا، فأدرك الإسرائيليون حينها أنهم قد وحّدوا "بحماقاتهم" الساحات؛ بل وتمّ ضمُّ ساحة إقليمية خارجية جديدة.
سادسًا: كغيرها من الأحداث الجِسام، شكّلت هبّة الفلسطينيين للدفاع عن أنفسهم وعن مُقدّساتهم، أو ما يمكن تسميته (بانتفاضة 2022) كاشفًا للمواقف؛ ففضحت قومًا، وأظهرت أصالة وبطولة آخرين.
فعلى قمة الطرف الأول: تربّعت القيادة الهرمة والهشة (لعباس – الشيخ) في المقاطعة، يليها منهج التأثير والمشاركة على نمط، (إن جيت على قوم بعبدوا عجل حِش وأطعمه)، الذي يتبناه "منصور عباس" وحركته الجنوبية، وعن ضعف المواقف الرسمية العربية والإسلامية، ونفاق حكومات الغرب الليبرالي فحدّث ولا حرج.
أما الأصالة والبطولة: فقد تجسّدت في نهج الفلسطينيين المُتجدّد والمتصاعد، رغم كلّ المؤامرات وهو الوحدة الوطنية الواسعة في مقـــاومة الاحتـــلال، وكذلك الحرص على تضامن إنساني واسع.
أخيرًا: وطالما تنجح المقـــاومة الفلسطينية، في تحقيق نقاط رغم ضعفها وقلة إمكانياتها، طالما فشلت (إسرائيل) رغم عنجهيّتها، ومساندتها من قِبل أمريكا والغرب، فهي عملية تراكمية طويلة وشاقة، ولكنها الطريق الوحيد إنسانيًّا وقانونيًّا وأخلاقيًّا، ومن حيث النجاعة والفعالية أيضًا.