فلسطين أون لاين

الكبش وفداء إسماعيل

...
صورة تعبيرية
د. زهرة خدرج - كاتبة وروائية فلسطينية

أصدقائي الأعزاء.. تعرفون الخروف.. ولكن هل تعلمون الأسماء الأخرى لهذا الحيوان؟ الذكر يُسمى أيضاً الكبش، والأنثى تُسمى نَعجة ومجموعها يُسمى ضأن أو خِراف. تعرفون جيداً أن جسد هذا الحيوان يغطيه الصوف الكثيف.. ولا شك أن الخروف يرتبط في أذهانكم بأضحية العيد.

حسناً.. وبما أننا تذكرنا أضحية العيد سأقص عليكم القصة من أولها.

نبي الله إسماعيل الذي حطم أصنام قومه فحاولوا الانتقام منه بحرقه بالنار فنجاه الله منها، رحل من العراق التي وُلد فيها وسكن فلسطين، وتزوج هاجر، حملت هاجر وولدت له صبياً أسماه إسماعيل.

أمر الله نبيه إبراهيم أن يأخذ زوجته وابنه ويرحل بهم إلى مكان محدد في صحراء بعيدة، وعرف الناس بعد ذلك هذا المكان باسم بيت الله الحرام في الجزيرة العربية، ليتركهم هناك ويعود إلى فلسطين. أطاع إبراهيم أمر ربه، وكانت تلك الصحراء قاحلة لا فيها ماء ولا أي أثر للحياة.. ولكن إبراهيم يُدرك تماماً أن الله هو من يرعى ابنه وزوجته.

تركهم إبراهيم ومضى.. وبعد عدة أيام نفد الطعام والماء، وكادا يموتان عطشاً وجوعاً، وكان إسماعيل رضيعاً ظلَّ يصرخ باكياً ويضرب الأرض بقدميه، فتفجرت بأمر الله عين ماء تحت أقدامه أسمتها هاجر عين زمزم.. شربت منها وأسقت رضيعها.

ورعى الله إسماعيل حتى كبر شاباً قوياً ركب الخيل وتجمَّعت حوله القبائل، حتى أصبح هو أبو العرب!

وكان إبراهيم يأتي لزيارة ابنه وزوجته أحياناً، وفي إحدى تلك الزيارات أمره ربه أن يقوم ببناء الكعبة هو وإسماعيل.. وفعلاً أطاع إبراهيم وإسماعيل وأقاما البيت الحرام الذي أصبح مكاناً يحجُّ الناس إليه في مكة.

وبينما كان إبراهيم نائماً، رأى حُلما: رأى أنه يذبح إسماعيل.

استيقظ إبراهيم قلقاً مما رأى، فمضى يصلي ويدعو ربه ثم يعود للنوم.

ويتكرر الحلم بشكل غريب وإبراهيم يفعل الشيء ذاته في كل مرة.. حتى أصبح هذا الحلم شُغل إبراهيم الشاغل.. ورجح لديه أنها رؤية من الله، كتلك التي يراها الأنبياء، وتكون لهم أمر من الله عليهم تنفيذه.. فما كان منه إلَّا أن أخبر إسماعيل بها، وقصَّ عليه ما يرى كل ليلة.

لم يجادل إسماعيل والده، ولم يحاول أن يُبعد عن نفسه الأمر.. بل قال: يا أبتِ افعل ما تؤمر.. ستجدني إن شاء الله من الصابرين!

فلا جدال فيما يأمر به الله.. هذا هو شأن العبد الصالح.

سار إبراهيم وإسماعيل بعيداً عن بيت الله الحرام، وامر إبراهيم إسماعيل أن يستلقي فوق صخرة.. فأطاع إسماعيل برضى واستسلام تام، وجعل وجهه لناحية الأرض حتى لا يتردد والده في تنفيذ أمر الله حين يرى وجهه وتغلب عليه عاطفة الأبوة، ووضع إبراهيم السكين على رقبة إسماعيل.. وقبل أن يحزَّ رقبته، سمع نداءً: ناداه الـمَلَك جبريل وكان يحمل معه كبشاً سميناً أبيضاً قدَّمه فداءً لنبي الله إسماعيل، أخذه وذبحه بدلاً من ابنه إسماعيل. وبذلك نجح إبراهيم وابنه إسماعيل في اختبار الله لهما، ونَجَّى إسماعيل من الذبح كما نجَّى والده من الحرق.

وأصبح ذلك اليوم يوم عيد للمسلمين، وهو عيد الأضحى الذي يأتي في الحج، حيث يُضحي الناس بالخِراف اقتداءً بني الله إبراهيم وتقرباً إلى الله عز وجل.