فلسطين أون لاين

مثقلة بالذكريات.. ناجية من عدوان "تقاوم" بحلوى القطائف

...
تصوير/ ياسر فتحي
غزة/ الأناضول:

مثقلة بذكريات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تسعى الفلسطينية مريم صالحة إلى مقاومة مرارة الأوجاع بصناعة حلوى "القطائف".

ونجت مريم صالحة (58 عاما) من العدوان الذي استمر 11 يوما في مايو/أيار 2021، فيما فقدت نجلها إياد (35 عاما) وزوجته وطفلتيه جراء القصف الإسرائيلي لمنازل المدنيين وسط القطاع.

تفاصيل يوم مقتل نجلها وأسرته في 19 مايو/أيار الماضي، لا تزال تحفر ذكراها المؤلمة داخل عقل وقلب مريم، لتنهش تلابيب روحها بصمت وسط عشرات الأخبار اليومية المحزنة على أوضاع بلادها المحتلة.

مع حلول شهر رمضان، عادت الفلسطينية صالحة بفرحة منقوصة إلى مهنة إعداد وصناعة حلوى "القطائف"، التي امتهنتها منذ أكثر من 25 عاما.

للوهلة الأولى، لم يتوقع سكان المدينة التي تقطنها "صالحة" أن تعود إلى مهنتها بعد النكبة التي حلت بعائلتها خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بين 10 و21 مايو/أيار 2021.

تقول صالحة: "زبائني الذين يأتون لشراء حلوى القطائف في شهر رمضان المبارك من كل عام، اعتقدوا أني استشهدت خلال العدوان، لكنهم وجدوني صامدة وساعية وراء رزقي".

وتضيف: "أنا في أشد الاحتياج للعمل في مهنتي بصناعة القطائف، حتى أستطيع إعالة أسرتي الناجية من العدوان والمكونة من 5 أفراد بعد السكن في منزل إيجار بعد قصف وتدمير المنزل الذي نملكه".

وتصف صالحة المواسم والمناسبات السنوية التي تحل بالبهجة على كافة المواطنين بـ"الموجعة" بعد أن أجبرها العدوان على التعايش مع الذكريات المؤلمة بفقدان أحبائها.

حلوى بطعم الوجع

ويزيد المنزل الذي استأجرته عائلة صالحة عقب تدمير منزلهم خلال العدوان، من الأعباء الاقتصادية عليهم، خاصة في ظل عدم توفر مصدر ثابت للدخل الشهري، وندرة فرص العمل بقطاع غزة.

وتتحمل صالحة مسؤولية توفير تكلفة الإيجار للمنزل، حيث تعتمد بذلك على صناعة القطائف الرمضانية فحسب.

وتوضح مريم: "رمضان موسم لبيع هذا النوع من الحلوى، وهناك إقبال جيّد على شرائها، وبإمكاننا خلال هذا الشهر أن نجمع تكلفة إيجار المنزل".

كما تقول إن المبلغ المالي الذي خصصته لتسديد الديون التي تراكمت عليها العام الماضي، خلال موسم صناعة القطائف، ضاع بين القصف والدمار الذي حل بالقطاع.

ويوميا، تتوجّه صالحة إلى المكان الذي خصصته لصناعة وبيع حلوى القطائف، في زاوية بسوق المدينة، وتمضي فيها وقتا يمتد من ساعات الصباح الأولى، وحتّى الدقائق الأخيرة قبل آذان المغرب.

وعلى طاولة خشبية كبيرة تُرتّب صالحة، أقراص القطائف الذهبية في صفوف منتظمة تمهيدا لبيعها بالكيلو غرام.

وتصنع الفلسطينية عجائن القطائف خلف الطاولة، بينما تنتقل ليلا إلى المنزل لتستكمل عملها في "تحميص" المكسّرات الخاصة بهذا النوع من الحلوى الرمضانية.

وتقول إن اثنين من أبنائها ينامون إلى جانب "بسطة" القطائف، في السوق ليلا، خوفا من سرقة المعدّات، ولذلك لعدم وجود مكان في منزلها يتسع لحفظ هذه الأدوات.

وتعدّ هذه المهنة، هي مصدر الدخل الوحيد لعائلة صالحة، حيث كانت تعتمد في السابق على المستحقات المالية التي تتقاضاها من الشؤون الاجتماعية، والتي انقطعت لأكثر من عام.

بحسب الهيئة الوطنية العليا للمطالبة بحقوق الفقراء ومنتفعي الشؤون الاجتماعية (غير حكومية)، فإن أكثر من 80 ألف عائلة بغزة، قُطعت مخصصاتهم المالية لأكثر من 18 شهرا من الحكومة برام الله.

اجترار الذكريات

وكالنار التي تطهي عليها مريم صالحة عجائن القطائف، يحترق قلبها بذكريات أحبائها التي فقدتهم خلال العام الماضي، على وقع العدوان والخراب والدمار.

وتقول صالحة: "كلما رأيت طفل صغير يلهو بالقرب من طاولة بيع القطائف، أتذكر حفيدتي الصغيرة نغم، التي قتلت جراء القصف الإسرائيلي الوحشي.

وكانت صالحة كلما فرغت من صناعة القطائف، تنادي على حفيدتها وتقضي معها وقتا في الحديث وإطلاق المزاح.

وتقول بصوت حزين: "افتقد بشدة هذه المواقف الصغيرة، حفيدتي نغم كانت تُضفي جمالا على حياتي التي أصبحت بائسة"، مضيفة "أخرجنا نغم من تحت أنقاض المنزل المدمّر، وهي محترقة بالكامل".

كما تستذكر صالحة آخر الأوقات التي قضاها نجلها إياد بالقرب منها، قائلة: "لم أكن أعرف أن الأوقات التي كان يحاول فيها إسعادي هي الوداع الذي فارقني به.

وشن الاحتلال في 10 مايو/أيار الماضي عدوانًا عسكريًا واسعًا على غزة دام 11 يوماً، أسفر عن استشهاد 248 فلسطينيا، بينهم 66 طفلا، و39 سيدة، و5 من ذوي الاحتياجات الخاصة.