تحب الطفلة سحر الحلويات الشعبية التي تنتشر في رمضان، غير أنها بالكاد تذوقتها منذ بدء الشهر الكريم، في ظل موجة الغلاء التي تضرب لبنان حيث بالكاد يستطيع سكان مخيم عين الحلوة تأمين طبق الإفطار.
تقول سحر البالغة 12 عامًا: "أحب الحلويات، وتحديداً تلك الخاصة برمضان وحلوى نصف شعبان الجزرية، كان أبي يشتريها لنا باستمرار، لكنه لم يستطع ذلك هذا العام، فسعر الحلوى ارتفع بشكل كبير، وصار كيلو "الجزرية" يباع بـ120 ألف ليرة (5 دولارات)".
ويعمل والد سحر سائق سيارة أجرة لا يملكها، ويعيل أربعة أطفال، أصغرهم يحتاج إلى حليب وحفاضات.
وتضيف سحر أنها وأسرتها حرموا بسبب الغلاء من أمور كثيرة في شهر رمضان الحالي، فحلوى الشعبيات التي تحب تناولها في رمضان بات سعر نصف الكيلو منها (12 قطعة) 100 ألف ليرة (4.16 دولارات)، "ونحن ستة أشخاص مع أبي وأمي، وإذا أردنا شراء قطعة لكل واحد منا فسندفع 50 ألف ليرة (2.8 دولارات)، والمبلغ غير متوفر. وإذا توفر فالخبز أهم".
وتستذكر سحر قبل سنوات كيف كان والدها يشتري الحلوى والعصائر في كل يوم من أيام رمضان، وفي حال لم يحصل ذلك، "كنا نعد حلوى في البيت، أما اليوم فلم يعد يستطيع شراء حلوى لنا، حتى أرخص الأنواع التي ليست من حلويات رمضان مثل السفوف والنمورة".
وتستطرد بأن أمها باتت لا تستطيع إعداد الحلوى في المنزل بسبب ارتفاع ثمن السكر، كما أن الزيت والطحين مفقودان.
حلوى للذواق فقط
من جانبه يقول أبو محمد الذي يملك محلاً لبيع الحلوى في المخيم ويعمل في هذه المصلحة منذ زمن طويل، إنه لم يشهد على وضع سيئ كالذي يعيشونه اليوم، وتحديداً بعد الحرب على أوكرانيا.
ويعمل أبو محمد برفقة أبيه الذي تعلّم صنعة الحلويات من جده، منذ اثنين وعشرين عاماً، ويبيع الحلويات الرمضانية، لكنه لم يشهد لهذا العام مثيلاً.
ويشير إلى العديد من الأزمات التي مرت بهم لكنهم لم يعيشوا ركودًا في الأسواق كالذي يشاهده، إذ ارتفعت أسعار الزيت بشكل غير طبيعي وكذلك السكر والطحين، "ونحن مضطرون إلى أن نرفع أسعارنا".
ويفيد بأن رب الأسرة كان يشتري سابقاً أصنافاً من الحلوى، أما اليوم فصارت مشترياته تقتصر على نوع واحد، وليس بكمية كبيرة، "وقد درجت العادة في المخيم على أن يشتري الأخ أو الأب لأخواته وبناته المتزوجات ولعماته وخالاته حلوى منتصف شعبان، لكن هذا العام انحصر الشراء في البيت وبكمية لا تتجاوز نصف كيلو. هذا ما فعلته غالبية الناس، والمهم أن الحلوى دخلت البيت".
ويتابع: "كنا ننتظر شهر رمضان الحالي لنبيع الحلوى، ونعوض جزءاً من الخسارة التي تكبدناها هذا العام بسبب الركود الحاصل. لكن حركة البيع ليست كما كنا معتادين".
تأمين قوتنا أولى
في حين تقول آمنة، وهي من بلدة الطيرة بفلسطين وتسكن في مخيم عين الحلوة وتعمل في محل لبيع الفول والحمص:" تجاوزت سن الستين، وليس لدي معيل. عندي ابنة توفي زوجها وترك لها طفلين أساعد في تربيتهما، ونحن بالكاد نستطيع تأمين قوت يومنا".
ومضت إلى القول: "حل علينا شهر رمضان بقسوة، وبالكاد نتذوق الحلوى منذ أن هل الهلال، فإذا كنا محرومين من اللحوم والدجاج، فكيف سنستطيع شراء حلوى؟!".
تتابع: "أسعار الخضار ارتفعت جداً، وكلفة صحن الفتوش، الذي يعتبر من طقوس شهر رمضان وأساسيا بالنسبة لنا، تتجاوز أربع دولارات، في حين أن مدخولي اليومي ثلاث دولارات فقط".
وتلفت إلى أنها تذهب إلى عملها في مدينة صيدا وتعود منه سيراً على الأقدام لكي أوفر أجرة الطريق (دولار) التي ستبقى لها إذا دفعتها، "أولاد ابنتي ينظرون إلى واجهات المحلات المليئة بكل أنواع الحلويات والفواكه، ولا أستطيع تأمينها لهم. وإذا قدّر لي أن أشتريها لهم، أحاول أن أشتري لكل ولد قطعة واحدة".
مهنة غير مجدية
من جهته، يقول السوري أبو عامر الذي لجأ إلى مخيم عين الحلوة بعد الحرب في بلده: "أنا بائع حلوى متجول. لدي عربة أضع عليها أصناف حلوى رخيصة، وأحصل رزقي منها. لم تعد هذه المهنة نافعة اليوم".
ويوضح إلى أن غالبية الناس لا يشترون الحلوى إلا نادراً، وإذا بكى طفل مع أمه لأنه يريد قطعة حلوى، تضطر الأم إلى شراء قطعة سفوف أو نمّورة أو قطعة حلوى المشبك كي يتوقف ابنها عن البكاء. وأحياناً أخرى لا تهتم الأم ببكاء أولادها، "فإعداد طبخة بالنسبة لها أهم من شراء حلوى".
يتابع: "اقتربت أيام رمضان من النصف ولا أظن أن الحال سيتبدل، فالناس يرزحون تحت ضغوط الأوضاع الاقتصادية الصعبة جداً، وأسعار الحلوى ارتفعت بشكل جنوني بعدما زادت أسعار الزيت والسكر والطحين، وأنا أقضي ساعات طويلة من دون أن أبيع شيئاً. لا عمل لدي في السوق إلا أن أتحسر على نفسي وعلى الناس".