بعد انقطاع لعامين، التقت "ابتهال" بزوجها الأسير ربيع أبو نواس في سجن "أيلون- الرملة"، من خلف زجاج عازل وبدأت تحدثه عبر الهاتف، سألته عن صيامه للاطمئنان على وضعه الصحي، رد عليها: "بَكُلِش، برجع الوجبات لأني محتج على غرفة العزل".
شعرت ابتهال بأن زوجها لم يستوعب سؤالها، حينما سألها "وقتيش رمضان ببلش؟"، صدمت من سؤاله، فأجابته: "رمضان بلش واحنا في اليوم السادس.. ليش أنت مش صايم؟!". علامات الذهول بدت واضحة على تقاسيم وجهه، أكملت الحديث معه ولكنه بين الفينة والأخرى يقاطعها "بلش رمضان عنجد؟!"، كما تحدث الزوجة "فلسطين".
الأسير ربيع أبو نواس (33 عامًا) من بلدة سنجل قضاء رام الله، متزوج وأب لثلاث طفلات، معتقل منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019، عندما نُقل للعزل كان موقوفًا، وكان من المفترض أن يصدر بحقّه حُكمًا لعدة شهور، إلا أنه وبعد ادعاء إدارة السّجون أنّه ضرب أحد السّجانين حكمت سلطات الاحتلال عليه بالسّجن لمدة تصل إلى (16 عامًا).
قضى أبو نواس ما مجموعه 20 شهرًا في العزل الانفرادي منها 14 شهرًا بشكل متواصل، وبعد جهود بذلها رفاقه الأسرى تم إنهاء عزله منتصف العام الماضي، إلا أنّ إدارة السجون عزلته مجددًا قبل نحو 6 شهور.
يعيش الأسير أبو نواس ظروفا نفسية، وصحية سيئة للغاية، فقد خسر نحو نصف وزنه داخل العزل الانفرادي لأن الأكل الذي يقدم له سيئ للغاية، وممنوع كذلك من التواصل مع عائلته.
والأسير أبو نواس منقطع عن العالم الخارجي، لا يدرك الوقت، ولا يعرف ما يدور من حوله، لا يسمع صوت الأذان، طلب من إدارة السجن أن يشتري جهاز راديو، لكي يعرف الأخبار، والأحداث التي تدور خارج السجن، ولكنها رفضت.
دخلت ابتهال في نوبة بكاء شديد وهي تسرد الأحداث التي دارت بينها وبين زوجها ربيع، واشتد نحيبها حينما حملت طفلتيها ثلاثة أعوام، وأربعة أعوام، بين ذراعيها ليشاهدا والدهما عبر زجاج غرفة الزيارة، ولكنهما لم تتعرفا عليه إطلاقًا، رغم محاولاته اللعب معهما من خلف الزجاج ومناداتهما ولكن عيناهما كانت تهرب في الجهة الأخرى.
تعب صحي ونفسي
حالة ربيع الصحية والنفسية، أتعبت ابتهال فبالها مشغول على الدوام في التفكير في زوجها والخوف على حياته، فالإعياء الشديد كان واضحًا عليه في زيارتها الأخيرة له، ومع انتهاء دقائق الزيارة ودّعت ابتهال شريكها من خلف الزجاج، أخفت دموعها وحينما همت بالخروج قال لها "إذا اجيتوا المرة الجاية ولقيتوا عندي عقل بكون منيح!".
تقول ابتهال لـ"فلسطين": "حينما كان يشكو من الآلام النفسية، كان السجان يعطيه أقراصًا مجهولة، وحينما يستيقظ في الصباح يعاني آلاما شديدة في الرأس".
تضيف: "ألح عليّ كثيرًا أثناء الزيارة للاتصال بالمحامي والصليب الأحمر، ليعرف متى سينهي الاحتلال عزله، ومتى ستتم محاكمته، فالمحامي قدّم طلبًا ولكن المحكمة لم تعطِ جوابًا حتى اليوم، فهم يتهربون ويمعنون في تعذيب وإذلال ربيع".
خلال سنوات أسر ربيع الثلاث، لم يسمح الاحتلال لزوجته بزيارته سوى مرتين، فهي لا تعرف عنه أي معلومات منذ نحو عامين، وتفاجأت بالظروف الصعبة التي يعانيها.
تفتقد ابتهال زوجها ربيع حينما تجلس إلى مائدة الإفطار مع بناته الثلاث، ويبقى كرسيه فارغًا، تبكيه بحرقة، وتفتقد للأجواء المبهجة التي كان يقوم بها في رمضان.
تتحاشى ابتهال أن تصنع أي أكلة كان يحبها ربيع، فهي لا تتخيل أن تأكل لقمة وزوجها محروم منها في سجنه، ولكنها في بعض الأحيان تصنع الكبة و"السنيتشل" مرغمة تحت إلحاح بناتها، وهو الذي قد يفطر على طعام السجن الذي لا يستسيغه.
أصبح البيت بلا ربيع بادرًا، تذكر زوجته أن في رمضان كان يحب جمع خواته الإناث -فهو وحيدهم ويأخذ مكانة أبيهم الذي توفي وهو في الرابعة من عمره- كل مدة لكي يشاركهم وجبة الإفطار.
وتختم ابتهال حديثها: "أطالب الاحتلال بإنهاء العزل الانفرادي لربيع، حتى يجد من ينقذه ويقف معه في مرضه".