يأتي شهر رمضان ليعيد النبض للبلدة العتيقة في الخليل، وتدب الحركة في أسواق المدينة، ويعج الحرم الإبراهيمي بالمصلين، والزائرين، والوافدين من مختلف محافظات الضفة الغربية المحتلة، ويعيشون الأجواء الروحانية والشعائر الدينية التي لن يجدوها في أي مسجد آخر بفلسطين.
إرث عثماني لا يزال يحيى في المسجد الإبراهيمي منذ مئات السنين، حيث يقام الأذان السلطاني، والتسميع العثماني كل صلاة جمعة، وعقب كل صلاة في الشهر الفضيل تتم قراءة القرآن، إضافة إلى الدروس الدينية.
الأذان العثماني
يبين مدير الحرم الإبراهيمي السابق الشيح حفظي أبو اسنينة أن الأذان السلطاني له تقليد فريد حيث تصدح حناجر أربعة مؤذنين جماعياً في آن واحد، يردد أحدهم الأذان، والآخرون يرددون خلفه، وتقتصر إقامته على يوم الجمعة من كل أُسبوع قبيل الصلاة، وهو من الشعائر الدينية المتوارثة لإعلام الناس بقرب وقت أذان الجمعة.
ويوضح أبو اسنينة لـ"فلسطين" أن الأذان السلطاني والتسميع العثماني، يقامان في الحرم الإبراهيمي، منذ العهد العثماني، وتحديداً من عهد السلطان عبد الحميد الثاني، أي ما يقارب 130 سنة، وهو أذان جماعي، وفي الوقت نفسه ديباجة ذكر مع مديح، تشتمل على ذكر الله عز وجل، وفي الأعياد يكون هناك تكبير جماعي.
ولا يتقن الأذان السلطاني والتسميع العثماني أي مؤذن، حيث يتم تدريب مؤذني المسجد الإبراهيمي على قواعد محددة، كما يجب أن يتمتعوا بأصوات ندية وعلى علم ودراية بمقامات الأذان، ويمتلكوا أصواتا جهورية وواضحة ومسموعة للناس، كما يسرد أبو اسنينة.
ويقول إن المؤذن يقرأ سورة الإخلاص ثلاث مرات قبل إقامة الصلاة في كل يوم، "وبمجرد ثبوت شهر رمضان، تصدح التكبيرات من المسجد، ويتم توزيع الفوانيس على الأطفال القادمين إلى الإبراهيمي، لإدخال البهجة على نفوسهم".
ويلفت إلى أنه في ليلة القدر التي يتعارف الناس أنها ليلة السابع والعشرين من رمضان، يتم إعداد برنامج خاص لإحيائها، وذلك بدعوة جميع المؤسسات في مدينة الخليل لدعم المسجد الإبراهيمي وإيفاد المصلين إليه، وإعداد وجبات للسحور داخله.
ويذكر أبو اسنينة أن مآذن الإبراهيمي تصدح بالمديح النبوي، والابتهالات الدينية لمدة أربع دقائق، بعد الركعات الأربع لصلاة التراويح حتى آخر يوم في الشهر الفضيل.
التوحيش
وإيذانًا باستعداد شهر رمضان للرحيل، تبدأ مآذن الحرم الابراهيمي بـ"التوحيش"، ويشير أبو اسنينة إلى أن التوحيش يبدأ في ليلة 25 من رمضان، حيث يقوم المؤذن بعد صلاة العشاء حتى آخر يوم بترديد "لا أوحش الله منك يا رمضان، يا معدن الخيرات والإحسان، شهر الصيام على الرحيل لقد نوى يا طول ما تتذكروا رمضان شهر عظيم على الشهور تعظما المصطفى بصيامه أوصانا".
وعن المعيقات الإسرائيلية في الشهر الفضيل، يمضي أبو اسنينة إلى القول: "يحاول الاحتلال بشتى الطرق كسر فرحتنا برمضان، لذا يشدد إجراءات الوصول إلى الإبراهيمي، ويفتش المصلين تفتيشًا دقيقًا، كما يمنع من إدخال السحور للمواطنين في ليلة القدر، كما يمنع من إدخال وجبات الإفطار للعاملين في الحرم".
ويتابع: "كما يتم إغلاق المسجد الابراهيمي يومين في شهر رمضان بحجة احتفالاتهم بعيد الفصح اليهودي، أمام المصلين، والوافدين أيضًا".
البلدة القديمة والاحتلال
من جهته يقول مدير المسجد الإبراهيمي غسان الرجبي: "في كل العالم الإسلامي أجواء خاصة روحانيًّا، البلدة العتيقة في الخليل تتزين بما فيها المسجد الإبراهيمي، وتحظى بتوافد المواطنين والمرابطين والزائرين بكثافة إلى رابع أقدس مكان إسلامي في العالم.
ويتابع الرجبي لـ"فلسطين": "ولا يخلو الأمر من منغصات الاحتلال وإعاقة الوصول إلى البلدة العتيقة، يلجأ إلى التفتيش الجسدي، والشخصي عبر البوابات الإلكترونية، ويتم تفتيش الناس أيضا مرة ثانية أمام مداخل الحرم الإبراهيمي لإعاقة الوصول إليه، الذي يتم فتح ستة أيام بالكامل حتى عيد الفطر بخلاف بقية العام".
ويضيف: "أسواق البلدة القديمة تنتعش في رمضان، حيث يفتح التجار محلاتهم التي تبقى مغلقة على مدار العام بسبب عدم وجود حركة تجارية، لأن الاحتلال يمنع الناس من الوصول إليها، فبعد تأدية الناس صلاة العصر وحضور الدروس الدينية، والاستماع إلى مقرئي الحرم، ينتشرون في الأسواق لشراء احتياجاتهم اليومية".