فلسطين أون لاين

بقرة بني إسرائيل

...
صورة تعبيرية
د. زهرة خدرج - كاتبة وروائية فلسطينية

كلكم تعرفون البقرة، كيف لا وهي مصدر الحليب واللحم لبني البشر، أنا من الحيوانات الداجنة التي يربيها البشر في مزارعهم وينتفعوا منها، آكل العشب وأرضع صغاري.

وما أنا إلا مخلوق من مخلوقات الله، فإن عبدني أحدهم أو جادل بشأني آخر، فلا شأن لي بذلك.. ذُكرت في القرآن 7 مرات، 5 منها في سورة البقرة ومرتان في سورة الأنعام. ووردت قصتي مع بني اسرائيل بالتفصيل في سورة البقرة، وتبدأ القصة بعد أن قتلِ شاب عمه وألقى جثته في الطريق طمعاً في ثروته.

كان في بني اسرائيل فتى من أبر الناس بأبيه، مرَّ به رجل يبيع لؤلؤاً، أبوه نائم تحت رأسه المفتاح، فقال له البائع: أتشتري مني هذا اللؤلؤ بسبعين ألفاً؟

ردَّ الفتى: ابق هنا حتى يستيقظ أبي، فآخذه منك بثمانين ألفاً.

فقال البائع: أيقظ أباك، وهو وأبيعك إياه بستين ألف. فجعل التاجر يقلل من ثمنه حتى بلغ ثلاثين ألفاً، بينما الفتى يصرُّ على أن ينتظر البائع حتى يستيقظ أبوه، فلما زاد إلحاح البائع، قال: لا والله، لا أشتريه منك أبداً، وآثر أن يترك أباه نائماً. فعوضه الله من ذلك، أن جعل تلك البقرة التي سأحدِّثكم عنها بعد قليل من بين أبقاره.

اختلف بنو اسرائيل فيما بينهم بسبب الرجل المقتول، وتصاعدت الأحداث لتصل إلى القتال وسفك الدماء.. فقال أحدهم: أتقتلون بعضكم بعضاً وفيكم نبي الله موسى؟

فتوقفوا وذهبوا إلى موسى يطلبون منه أن يُظهر الله قاتل الرجل، قائلين: ألست نبياً؟ أظهر قاتل هذا الرجل إذن.

سأل موسى القوم إن كانوا يعلمون شيئاً عن حادثة القتل، فلم يجبه أحد، فسأل موسى ربه أن يُظهر القاتل حقناً للدماء.. فأوحى الله إليه أن اذبحوا بقرة.

أمرهم موسى أن يذبحوا بقوة ليُظهر الله لهم الحق.. لم يستجيبوا للأمر الإلهي ويذبحوا أي بقرة، بل كعادتهم، أخذوا يجادلون في شأن البقرة، فيسألون مرة ما لونها، ومرة أخرى ما شكلها، ومرة ثالثة عن صفة تميِّزها... وهكذا، بحجة أن البقر متشابه، ولا بد من صفات لهذه البقرة تجعلها مختلفة عن غيرها من البقر. وكان في كل مرة يرسل لهم الله بصفة من صفاتها تحدد لهم شكل البقرة: وكانت الصفات أنها متوسطة العمر ليست مسنة ولا صغيرة، لونها أصفر فاقع صافي، لا تعمل في حراثة الأرض أو إخراج الماء من الساقية، خالية من العيون ولا يداخلها لون أبيض.

بحث بنو اسرائيل عن تلك البقرة بعد جدالهم الطويل فيها، وبصعوبة استدلوا عليها لدى الفتى.. طلبوا شراءها منه فرفض، فعرضوا عليه بقرة مقابلها، فرفض، وعرضوا عليه عشر أبقار مقابلها فرفض، وزادوا حتى أصبح مقابلها مئة بقرة.. ورفض أيضاً... حتى أعطوه وزنها ذهباً.. فوافق، وكان لا خيار آخر أمامهم غيرها ولو وصل أضعاف وزنها ذهباً.

ساروا بالبقرة إلى مكان الرجل المقتول، وذبحوا البقرة، وأخذوا قطعة منها وضربوه بها، فأعاد الله له الروح فقام وقال قتلني فلان...

وانتهى الأمر وتوقف الخلاف بينهم.