فلسطين أون لاين

فلسطينيون يصنعون المشهد على طريقتهم

تقرير رمضان القدس.. للإفطار مذاق مختلف عند باب العمود

...
صورة أرشيفية
غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

تجمع الفلسطينيون في منطقة باب العمود في شهر رمضان المبارك، لتناول طعام الإفطار في جماعات، أو لقضاء بعضٍ من الوقت بعد صلاة التراويح، مشهد معتاد في القدس منذ القدم، غير أنه أصبح مثار مناوشات بينهم وبين الاحتلال الإسرائيلي الذي "يسوؤه" المشهد ويحاول بكل الطرق منعه أو تحجيمه، وتثور ثائرته خاصة عندما يسمع الشباب المقدسيين صغار السن يتغنون بحب الوطن والتضحية في سبيله فينقض عليهم بوحشية مفرقاً جموعهم.

سحر البلدة القديمة

ورغم كل المضايقات فإنّ المقدسيين يحافظون على هذا الطقس الرمضاني الجميل فيتوافدون مساءً للاستمتاع بسحر البلدة القديمة، ومن المكان ذاته انطلقت هبات عدة ضد إجراء الاحتلال في القدس، كان آخرها العام الفائت عندما أقدمت قوات الاحتلال في الثالث عشر من أبريل على منع المقدسيين من التجمع في ساحات ومدرجات باب العمود، ما أدى لاندلاع مواجهات عنيفة بينهم وبين قوات الاحتلال استمرت لعدة أيام.

ولم يتراجع الفلسطينيون وواصلوا تجمعاتهم حتى اضطرت قوات الاحتلال للانسحاب من باب العمود في الخامس والعشرين من أبريل، وقام الشباب الفلسطيني بإزالة الحواجز الحديدية والسواتر الترابية التي كانت قوات الاحتلال قد أحاطت بها المنطقة، وسط فرحة كبيرة من المقدسيين الذين عادوا إلى ساحات ومدرجات باب العمود.

طقس رمضاني

فالتجمع في رمضان في منطقة الباب بات طقسًا رمضانيًّا اعتاده المقدسيون منذ طفولتهم، كما تبين الشابة المقدسية آية عمرو "25 عاماً"، وحتى اليوم فإنها تذهب برفقة شقيقها وشقيقتها يومياً بعد صلاة التراويح لباب العمود لاحتساء الشاي هناك.

فقبيل رمضان بعشرة أيام يبدأ الشبان المقدسيون بتعليق الزينة في المنطقة، ويصبح هناك حيوية ملحوظة في المنطقة حيث ينتشر الباعة المتجولون الذين يبيعون الشاي والقهوة والبطاطا المشوية والذرة وغيرها، وفق عمرو.

وما إن يبدأ الشهر حتى يتوافد المقدسيون شيباً وشباناً وأطفالاً للمنطقة، فيشعر الصغار بالبهجة وهم يتناولون الحلوى من الباعة هناك، فيما يجلس الكبار في جلسات سمر، وأحياناً يتجمعون لتناول الإفطار سوياً.

ولشدة تعلق عمرو بباب العمود والقدس، أصبحت مرشدة سياحية تعمل على تنشيط السياحة في البلدة القديمة، فتنظم جولات سياحية قبل الإفطار بعنوان "القدس بالليل حلوة" تختتمها دائماً في باب العمود، وكل ذلك لإنعاش السياحة في القدس في الفترة المسائية.

وبعد الإفطار يقوم الشباب، وفق عمرو، بإنشاد مدائح محمدية أو أغانٍ تراثية ووطنية ينقض عليهم جنود الاحتلال الإسرائيلي ويفرقون التجمعات، مشيرة إلى أن مَنْ يرتادون المكان من كل الفئات العمرية من الرضع حتى كبار السن في جلسات ودية.

وتقول: كما كبار السن متمسكين في الجلوس في باب العمود كما تعودوا طوال حياتهم، فإن الشباب أيضاً يعيدون الكَرّة مع أسرهم وأبنائهم ويأتون بهم يومياً للمنطقة في رمضان.

ولكن الاحتلال ينغِّص بهجة الشهر الكريم باعتداءاته المتكررة تحت ذرائع واهية، "فقد ينقضون على المجتمعين بسبب أغنية وطنية أو نظرة من مقدسي لشرطي، ولا يهمهم في ذلك إذا اعتدوا على نساء أو رجال".

وتشير عمرو إلى أنهم اعتدوا قبل ذلك على فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة بالضرب، كما اختنقت طفلة عمرها سبعة أشهر بالغاز المسيل للدموع، "وكل تلك الممارسات تهدف لإبعاد الناس نهائياً عن المنطقة، عبر تخويفهم وإرهابهم، لكن المقدسيين تكون ردة فعلهم عكسية كلما زاد القمع والإرهاب ازدادوا تمسكاً بباب العمود خاصة في رمضان".

ثكنة عسكرية

وتبين عمرو أنّ أهمية منطقة "باب العمود" تأتي لوقوعها على الخط الفاصل بين شرق وغرب القدس المحتلة فهي مكان حساس بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، حتى إنهم في رمضان الحالي ضاعفوا كاميرات المراقبة في المكان ووضعوا مركز شرطة ثابت، وقوة عسكرية قرابة مئتين شرطي تتواجد بشكل يومي.

وتضيف: "أصبح التجمع في باب العمود تحدياً بالنسبة للمقدسيين فكلما رأوا الحشود العسكرية للاحتلال ازدادوا إصراراً على التواجد في المنطقة، فهنا كل شيء يشهد بعظمة البناء الإسلامي وعراقة الحضارة الإسلامية".

مرارة الحرمان

في الوقت ذاته يشعر الشاب المقدسي إياد أبو سنينة (24 عاماً) بالمرارة لكونه محروماً من الأجواء الرمضانية حيث يقضي عقوبة بالإبعاد لشهرين عن باب العمود بذريعة أنه ينظم فعاليات وتجمعات في المنطقة.

يقول: "هاجمتني شرطة الاحتلال ووقعت على تعهد بعدم الوصول لباب العمود أو حتى الشارع القريب منه لمدة شهرين وإلا دفعتُ غرامات باهظة تصل لعشرة آلاف شيقل".

ويستذكر الأجواء الرمضانية الجميلة التي تشهدها المنطقة في "باب الشهداء" كما يحب أن يسميه، "فهو يجمع الكل المقدسي وهو المتنفس الوحيد للمقدسيين في رمضان وغيره، فيتجمعون فيه وقت الإفطار ووقت صلاة التراويح".

ويبين أن بعض المجموعات الشبابية والمؤسسات تحاول تنظيم فعاليات فيه في رمضان لكنها تجابه بقمع قوي من قبل قوات الاحتلال التي لا تريد أساساً أي تجمع تعتبره مظهرًا سياديًا للفلسطينيين في القدس.

وتابع: "حتى جلب مهرجين للمكان لإدخال البهجة على قلوب الأطفال يحاربونه وحتى الباعة المتجولون يقمعونهم، يريدون منا أن نستصدر ترخيصاً من بلدية الاحتلال في القدس لأي نشاط مهما كان لتأكيد سيادتهم على المنطقة".

ورغم ذلك فإن مئات الأشخاص يتجمعون يومياً في رمضان في جلسات للسمر يتناولون القهوة والشاي والعصائر والحلويات الرمضانية، في ذهابهم وإيابهم للمسجد الأقصى الذي لا يستغرق الوصول إليه سوى خمسة دقائق مشياً على الأقدام من باب العمود.

حجج واهية

وهذا التجمع الفلسطيني، وفق أبو سنينة، يستفز الإسرائيليين فتجدهم تحت أي حجة واهية ينقضّون على تلك التجمعات، "مؤخراً في رمضان الحالي أصبحوا يمارسون سياسة "تكسير العظام" مع الشباب المقدسي في باب العمود".

ويتابع: "هم يدركون خطورة الوجود الشبابي في المنطقة، فالشباب هم الذين كسروا إرادة الاحتلال في رمضان الفائت وأجبروه على إزالة الحواجز في باب العمود، وأفشلوا مسيرة المستوطنين الكبرى التي كان مخطط لها أن تمر منه".

ويلفت إلى أن الاحتلال يستهدف الشباب في المنطقة بالضرب والإبعاد والغرامات الباهظة والاعتقال الإداري، ضمن سياستهم المعهودة لفك الارتباط بين الفلسطينيين والقدس.