سأُعرِّفكم بنفسي قليلاً قبل أن أروي لكم قصتي مع نبي الله يوسف. أنا ذئب كنت أعيش في صحراء سيناء، يغطي جسمي فرو كثيف جميل، رمادي اللون، لدي حاسة سمع وبصر وشم فائقة القوة تمكنني من الانتباه للفريسة، وقوائم قوية تمكنني من مطاردتها بسرعة كبيرة.
يعرفني أهل الصحراء جيداً.. ويدركون تماماً قدراتي، ويخافون على أغنامهم مني.. فأي غنمة تبتعد عن القطيع، أستفرد بها وأصطادها بأنيابي الحادة.
لذا كان نبي الله يعقوب يخشى أن يترك ابنه يوسف يذهب إلى البرية مع إخوته.
يوسف فتى ذكي جميل الوجه، إخوته يغارون منه بشدة لحب والده له؛ بسبب صفات النبوة التي تظهر عليه من صغره، وأخلاقه التي تقرِّبه من قلوب الناس.
ذات يوم بينما إخوته عائدون للبيت مساءً تحدَّثوا عن حب أبيهم ليوسف، وتفضيله له عليهم.. ورأوا في ذلك خطأ من والدهم.. اقترح أحدهم أن يقتلوا يوسف ليرتاحوا منه، ويظفرون بحب والدهم مكانه.. ولكن أكبر الأخوة قال: يصعب علينا أن نقتله، ولكن أظنه كافياً أن نلقيه في بئر بعيد على طريق القوافل، فإذا اقتربت قافلة من البئر، وجدوا يوسف وأخذوه معهم.. ونكون قد تخلصنا منه، وارتحنا من تمييز والدنا له.
أبدى بقية الأخوة إعجابهم بهذا الرأي، وطالبوا أن يُنفذوه في أقرب فرصة.
بعد عدة أيام، طلب الأخوة من والدهم أن يسمح ليوسف بالذهاب معهم للبرية، ولكن كعادته رفض قائلاً: أخاف أن يأكله الذئب وأنتم مشغولون عنه برعي الأغنام.
وتحت إلحاحهم وإصرارهم سمح لهم وهو يوصيهم أن ينتبهوا له.
مشوا في طريق طويل وابتعدوا كثيراً عن مكان سكنهم، واقتربوا من طريق القوافل.. لعبوا مع يوسف، ورعوا أغنامهم، وفي المساء وقبل أن يحين موعد عودتهم، طلبوا من يوسف أن ينزل في البئر ليغرف لهم بعض الماء ليشربوا ويسقوا الأغنام.. أطاع يوسف أمرهم، غَرَف لهم دلواً شربوا منه.. ثم عدة دلاء أسقوا أغنامهم حتى ارتوت، ثم سحبوا الدلو، نادهم يوسف صارخاً وكان فتى في الثامنة من عمره: أخرجوني من هنا.
فقالوا: ابق هنا.. سنعود بعد قليل.. وأخذوا أغنامهم وعادوا إلى ديارهم.
سألهم أبوهم: أين يوسف؟ لم أره؟
أخذوا يبكون ويتظاهرون بالحزن قائلين: انظر إلى ثيابه.. كيف تمتلئ بالدماء! لقد أكله الذئب عندما ذهبنا نتسابق في المساء بعد أن أسقينا الأغنام وهممنا بالعودة.
لم يصدق يعقوب قصتهم، ولكنه قال بحزن: وأفوض أمري إلى الله، إن الله بصير بالعباد.
وقفتُ بجانب البئر أحرس يوسف وأسمع نداءه ودعائه لربه، وأُشفقُ عليه لصغر سنه، حتى مرَّتْ قافلة، اقتربتْ من البئر.. اختبأتُ في مكان قريب أرقبُ ما يجري، شاهدتهم يُخرجون الصبي وهم فرحون ويقولون: يا بشرى.. ما أجمل هذا الصبي، سنبيعه ونكسب ثمنه.. ومضت القافلة في سبيلها، ولا أدرى إلى أين!
كنتُ أقتربُ من خيمة يعقوب ليلاً، فأسمعه يبكي ويذكر يوسف ويدعوا الله.. بقي يعقوب على هذا الحال حتى عميت عيناه.. دون أن يتوقف عن البكاء على يوسف.
وبعد سنين طويلة، وأصبح يعقوب شيخاً كبيراً، أحضر أحد أبنائه قميصاً، وقبل أن يصل قال يعقوب: والله إني أشمُّ رائحة يوسف.. سخر بقية أبنائه منه..
ولكن ما إن أَلقوا القميص على وجهه حتى عاد إليه بصره، وحملوه وزوجته وأبناءه إلى مصر.. وكان يوسف قد أصبح وزيراً ذا شأن فيها.