فلسطين أون لاين

السلوى في شباك بني (إسرائيل)

...
صورة تعبيرية
د. زهرة خدرج - كاتبة وروائية فلسطينية

أنا طائر السلوى.. ويسمونني أيضًا السِّمَن أو الفِرِّي. أنا طائر جميل الشكل ملون الريش، حجمي أكبر من العصافير وأصغر من الحمام، أطير لمسافات طويلة بسرعة على شكل أسرابٍ تهاجر خريفاً من شمال الكرة الأرضية إلى جنوبها، مارَّة بسوريا أو لبنان ثم إلى فلسطين لتنتقل أسرابنا إلى سيناء حيث تتوزع في القارة الدافئة (إفريقيا) حيث نقضي الشتاء فيها.

وفي الربيع نسلك الطريق ذاتها مرة أخرى عائدين إلى الجزء الشمالي من الكرة الأرضية حيث نُمضي الصيف فيه. لسنا الطيور الوحيد التي تهاجر إلى البلاد الدافئة شتاءً.. بل هناك طيور كثيرة غيرنا تفعل ذلك.. وأنصحكم أن تراقبوا السماء في نهارات فصلي الخريف والربيع، وسترون بأعينكم أسراب الطيور المختلفة التي تُحلِّق في السماء، مهاجرة إلى المناطق معتدلة الحرارة.

وخلال رحلة هجرتنا خريفاً وربيعاً، كثير منا يسقطون في شباك الصيادين التي ينصبونها في طريق أسرابنا المهاجرة، فتقع فيها عند مرورها، واقترابها من الأرض لتأكل وترتاح، حيث تكون منهكة جائعة من طول الرحلة.

ولأن لحمنا طري وسهل المضغ، ترى الصيادين يبذلون جهدهم لاصطياد أكبر عدد منا في مواسم هجرتنا، لطبخنا والاستمتاع بأكلنا.

بدأت قصتنا مع بني إسرائيل الذين خرجوا من مصر برفقة نبي الله موسى بعد أن انفلق البحر ومروا عبره هاربين من طغيان فرعون الذي كان يتبعهم برفقة جنوده.. ولكن الله أعاد البحر إلى ما كان عليه، فغرق فرعون وجنوده ونجا موسى وقومه.

تعب قوم موسى بعد مسيرهم الطويل خلال رحلة الخروج من مصر، فجلسوا يرتاحون، وطلبوا من موسى لحماً يأكلوه.. فأنزل الله عليهم المنَّ، وهو مادة حلوة مثل العسل تُستخرج من الأشجار، وطائر السلوى اللذيذ المكتنز لحماً.. أنزلنا الله لقوم موسى ليأكلوا ويشبعوا دون أن يُكلفوا أنفسهم عناء الصيد.. أخذت الريح تحمل أعداداً كبيرة منا وتسقطنا بينهم وداخل خيامهم. ولم يكن عليهم سوى ذبحنا ونتف ريشنا وأكلنا مشوية أو مطهية.

ولكن، ولأن من عادة بني اسرائيل نكران النعمة وجحودها والجدل على كل مسألة والمساومة أيضاً.. أخذوا يطلبون من نبي الله موسى طعاماً آخر غير المنِّ والسلوى.. وقالوا بأنهم يملُّون من أكل طعام واحد. طلبوا من موسى أن يدعو الله لهم أن يعطيهم من نبات الأرض، من بُقول (الحبوب بمختلف أنواعها مثل الفول والفاصولياء) وقثاءيات (مثل الكوسا واليقطين والفقوس)، وبصل وثوم وعدس...

غضب موسى من طلب قومه غضباً شديد وقال: كيف لكم أن تستبدلوا اللحم الذي أنعم الله به عليكم، وهو أفضل المأكولات، بمأكولات أدنى منه بكثير؟؟ بحجة أنكم لا تستطيعون الصبر على نوع واحد من الطعام!

وقال لهم موسى:" انزلوا مصر.. وستجدون فيها ما تطلبون وتشتهون!"

وذهب موسى لرؤية ربه وتأخر لأيام، فخالف بنو إسرائيل أوامره، وازدادوا كفراً بأن صنعوا عجلاً من ذهب عبدوه (سأحدثكم عنه لاحقاً بإذن الله في قصة عجل بني إسرائيل)..

كفر بني إسرائيل بما نزل على موسى من عبادة الله وحده لا شريك له.. فمنع الله عنهم المن والسلوى وحل بهم غضبه.