"وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ".. ورد قوله تعالى: "كلوا واشربوا" في القرآن في ستة مواضع وفي جميعها قدم الطعام على الشراب، حتى في قصة الرجل الذي أماته الله مائة عام ]وانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه[ إذ قدم الطعام على الشراب، وقوله بحق أهل الجنة ]يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب[ قدمت الفاكهة على الشراب.
فلماذا قدم سبحانه الأكل على الشرب؟ قديمًا قيل إنه يجب جعل الشراب قبل الطعام حتى لا يمدد عصارة المعدة، ولكن هذه المعلومة اكتشف أنها نظرية قديمة وليس بحثًا علميًا، أما آخر الأبحاث العملية فتقول إن أفضل وقت للشرب هو في أثناء الطعام وبعده، وهو ما يطابق قول الله تعالى: "كلوا واشربوا" إذ إن حرف الواو في اللغة هو حرف عطف وهو يفيد المعية والترتيب.
إنّ استهلاك السوائل كالماء قد يُحسّن من عملية الهضم، إذ إنّ السّوائل تُسهّل من عملية تحطيم قطع الطّعام الكبيرة، وبالتالي تسهيل حركة انزلاق هذه القطع من المريء إلى المعدة، إلى جانب ذلك تُفرز المعدة الماء في أثناء عمليات الهضم، بالإضافة إلى العُصارة الهضمية والإنزيمات، إذ يُعدُّ الماء مهماً وضرورياً لعمل الإنزيمات بالطّريقة الصّحيحة.
ويبرُز دور الماء في عملية الهضم بدءاً بإفراز اللعاب، إذ يساعد اللُّعاب بما يحتويه من إنزيمات وماء، على تحطيم الطّعام، وإذابة المعادن وغيرها من المواد الغذائية، حتى يتمكّن الجسم من الاستفادة منها، كما يساعد الماء على هضم الألياف الغذائية الذائبة في الماء، وبالتالي تحافظ هذه الألياف بدورها على صحّة الأمعاء عن طريق تليين البُراز، وتَسهيل تمريره.
وكثير منا إن لم يكن معظمنا يتناول الشراب (الماء وغيره من السوائل) قبل الطعام وخاصة في رمضان من باب التعود دون أن نعلم ان هذا غير صحي كما بينت الآيات الكريمة. فكما نعلم أن الطعام لكي يتم امتصاصه من الأمعاء إلى الدم يجب أن يذوب في الشراب (السوائل) خلال الأمعاء لِيُكوِّن محلولا سائلا يسهل امتصاصه، فلو تناولنا الشراب قبل الطعام فسيتم امتصاص الشراب أولا قبل أن يُذيب الطعام فلن يحدث امتصاص للغذاء، وحينها سيتعرض الإنسان لاضطراب معوي كالنفخة والإمساك وغيرهما، نتيجة سوء الهضم وتصلب الطعام في الأمعاء لغياب الشراب، إضافة إلى أنه سيعاني أمراضا مثل فقر الدم وضعف العظام وغيرهما.
لذلك كان الأمر بالأكل قبل الشرب لأن تناول الطعام سيكون حاجزا ومانعا من امتصاص السائل بسرعة فيذوب الطعام ويسهل امتصاصه، وبالتالي نتجنب كثيرا من الأمراض والاضطرابات الناتجة عن سوء امتصاص الطعام. يُسهل شرب الماء في أثناء تناول إحدى الوجبات عملية الهضم. كما يلعب دورا في الشعور بالشبع وتجنب الإفراط في تناول الطعام. والماء يعد أفضل أنواع السوائل التي يمكن شربها. ومع ذلك، لترطيب أجسامنا يمكننا أيضا الحصول على العصائر من الفواكه والخضراوات. يمكن أن يكون شرب العصائر الطبيعية خيارا صحيا للترطيب. ولكن، يجب أن ندرك أن اختيار شراب الصودا يمكن أن يكون الخيار الأكثر إضرارا بصحتنا نظرا للكمية الكبيرة من السكريات التي يحتويها، فمن الأخطاء السلوكية الشائعة استهلاك كميات كبيرة من مشروب الصودا، وهذا يضر بالصحة العامة وامتصاص الطعام والضرر الواقع على الكلى أيضا.
ومن النصائح السلوكية المهمة في رمضان، أن يتجنب الصائم الشبع المفرط لحديث الرسول e: "ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه، حسب ابن آدم لقيمات يُقمن صُلبه، فإن لم يفعل فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه"، فكثير من المشكلات الصحية مثل الشعور بضيق النفس ناتج عن امتلاء المعدة. وهذا أيضًا لا يعني الإكثار من الشراب، وإنما المطلوب الاتزان.
فشرب كوبين أو ثلاثة أكواب في أثناء تناول الطعام لا يضر عملية الهضم؛ فالماء يوسع المعدة لذلك يعد ضروريا على المائدة، كما أنه من المشروبات التي يمكن استهلاكها دون التعرض لخطر الإصابة باضطرابات الجهاز الهضمي، وذلك شريطة عدم شرب قارورة بأكملها طبعًا.
وأيضا يقلل الماء الشهية، وهو عامل مساعد بالنسبة للأشخاص الذين يريدون مراقبة أوزانهم، ونلخص القول إن تناول الشراب من ماء أو عصائر طبيعية دون الصودا مع الطعام دون إفراط له أهمية كبيرة في تسهيل الهضم وامتصاص الطعام وتجنب الكثير من المشكلات المعوية كالنفخة وعسر الهضم والإمساك.