هل سمعتم من قبل بالأَرَضَة أو دابة الأرض أو النمل الأبيض أو العثة؟ مسميات مختلفة لمخلوق واحد صغيرة طول جسمه أقل من (1 سم)، أبيض اللون، يعيش في تجمعات من أعداد كبيرة تصل إلى ملايين الأفراد داخل الأرض تسمى مملكة، تتكون المملكة من ملك وملكة، وعمال، وجنود، وحشرات بالغة، ومناصب ورتب كثيرة أخرى لكل منها وظيفة خاصة، ولكن الجميع يعمل معاً لتحقيق مصلحة المملكة.
سخر الله تعالى لنبي الله سليمان الريح تجري بأمره حيث يشاء.. تنقله أين يشاء في وقت قصير، وسخَّر أيضاً الشياطينَ والجنَّ يعملون له ما يشاء في وقت خارق، دون أن يعصوا أمره.
الجن مخلوقات من نار لا يراها البشر عادةً، ولها قدرات عجيبة.. وفي وقت نبي الله سليمان، كذب الجن، وخدعوا الناس بقولهم إنهم يعلمون الغيب، ونحن نعلم أنه لا يعلم الغيب إلا الله.. صدق كثير من الناس ذلك، فأراد الله تعالى أن يُرِيَ الناس كذبهم في ذلك.
توفي سليمان وهو واقف أمامهم يتكئ على عصاه، ولم يعلموا بموته عليه السلام، واستمروا يعملون أمامه، وما دلَّ الجن على موته إلا الأَرَضَة، تلك الحشرة الصغيرة التي تأكل الخشب، أكلت عصا سليمان.. فلما سقط نبي الله سليمان عن عصاه، علمت الجن أن سليمان قد مات.. فأدرك الناس أن الجن كذبوا وأنهم لا يعلمون الغيب، فلو كانوا يعرفون الغيب كما زعموا، ما مكثوا يعملون الأعمال الشاقة طوال تلك المدة الطويلة التي وقف فيها سليمان ميتاً يتكئ على عصاه.
ولعبت الأَرَضَة دوراً آخر مهمًّا مع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، حين قرر كفار قريش مقاطعة المسلمين ومحاصرتهم وتجويعهم. فجاؤوا بصحيفة كتبوا فيها قرارات جائرة بحق المسلمين، وختموها بأختامهم، وعلقوها داخل الكعبة التي يحبونها ويقدِّسونها، لتأخذ الصحيفة طابعاً مهمًّا يلتزمه الجميع.
ازداد الوضع سوءاً على المسلمين وبني هاشم داخل مكة، فقرروا الانتقال إلى شِعَبِ (وادي) أبي طالب والبقاء فيه.. استمر الحصار عليهم ثلاث سنوات، وجاعوا وانقطعت عنهم سبل الحياة، فأكلوا أوراق الشجر والأعشاب الجافة والجلود من شدة الجوع، وعانوا من شدة البرد أيضاً ولم يجدوا ما يستر أجسادهم ويحميهم.
صبروا على المعاناة والتضييق حتى انتهى الحصار.
وكان خمسة من رجالات قريش قد اتفقوا على ضرورة إنهاء الحصار، وقرر أحدهم الذهاب إلى الصحيفة الظالمة ليمزقها.. وكان الله قد أوحى إلى نبيه أمراً.. فأخبر عمه أبو طالب بأن الصحيفة ستنتهي.. فذهب أبو طالب إلى قريش ليخبرهم.
ظنوا أنه أتى ليخبرهم باستسلام بني هاشم، وبأنهم سيسلمونهم محمداً ليقتلوه، ولكنه طلب منهم أن يخرجوا الصحيفة ويقرؤونها.
ولما أخرجوها ذُهلوا مما رأوا.. كانت الأَرَضَة قد أكلت الصّحيفة كاملة ولم تُبقِ منها سوى كلمة "باسمك اللهم"..
بطلتِ الصحيفة، وبطلَ كل ما فيها وانتهت هذه الأيام العصيبة على المسلمين.