قبل سنوات كان سوق مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في الضاحية الجنوبية لبيروت يعجّ بالمتسوقين الذين يجوبونه طولًا وعرضًا لشراء أصناف عدة من الخضراوات خلال شهر رمضان، وهو لا يزال يتواجد اليوم، لكنّ الكميات التي يشتريها الزبائن باتت ضئيلة "بحسب الحاجة فقط" كما يقول الحاج أبو ناصر اللاجئ في مرحلة أولى من بلدة طبرية الفلسطينية ثم في مرحلة ثانية من مخيم اليرموك بسورية، والذي يعمل بائع خضراوات في المخيم.
يضيف: "صحن الفتوش ممنوع من موائد أهالي مخيم برج البراجنة خلال شهر رمضان الحالي، فكلفته باتت أكثر من يومية العامل التي لا تتجاوز مائة ألف ليرة (4.16 دولارات). وإذا كان عدد أفراد الأسرة كبيراً ستتعدى كلفة الصحن 200 ألف ليرة (8.32 دولارات)، فالخسة بـ30000 (1.25 دولار) وباقة النعنع والبقدونس بـ6000 (25 سنتاً) والبصل بـ10000 (41 سنتاً)، علماً أن صحن الفتوش يحتاج أيضاً إلى بندورة وخيار وأنواع خضراوات أخرى.
ويضيف: "في السابق كانت المرأة تشتري 3 كيلوغرامات من البندورة ومثلهما من الخيار، أما اليوم فصارت تشتري هذه الأصناف بالحبة الواحدة، وحتى البصل اليابس. أيضاً كانت البطاطا طعام الفقير، أما اليوم فلم يعد للفقير طعام، حتى إن بعض الأسر لا تستطيع شراء رغيف خبز".
تراجع القدرة الشرائية
في حين يقول صالح حمزة الفلسطيني المقيم في مخيم برج البراجنة، والذي يملك محلاً لبيع الدجاج: "أعمل في هذه المصلحة منذ 11 عاماً، ولم يحصل يوماً أن بلغنا هذا الدرك من الوضع الاقتصادي السيئ والتراجع في حركة البيع بسبب ارتفاع أسعار الدجاج على أنواعه، إذ تقلص البيع إلى أكثر من النصف".
ويتابع مستدركًا: "حتى الأشخاص الذين نبيعهم يشترون كميات قليلة من الدجاج، وليس كما في السابق حين كانت سيدة البيت تشتري ثلاثة كيلوغرامات وأكثر، اليوم تشتري كيلوغراماً واحداً وربما أقل".
وتخبر السورية آمنة التي تقيم في مخيم برج البراجنة: "صار رمضان بالنسبة لنا مثل أي يوم عادي، لأننا لم نعد نستطيع شراء ما نريده. نسمع بأن كيلوغرام اللحم قد يصل إلى 400 ألف ليرة (16.6 دولارا) في رمضان، ما يعني أن كمية 200 غرام قد تصل إلى 80 ألف ليرة (3.33 دولارات). وكلّ عام يحلّ شهر رمضان علينا بظروف أكثر صعوبة".
تتابع: "بالكاد سنستطيع تأمين وجبة طعامنا خلال رمضان الحالي، والأيام التي كنا فيها ندعو الأقارب إلى تناول وجبة الإفطار في بيوتنا انتهت، وستخلو موائدنا من الدجاج واللحوم، فكيلوغرام الإسكالوب بـ140 ألف ليرة (5.83 دولارات) بعدما كان 100 ألف (4.16 دولارات) قبل أسبوع واحد من شهر رمضان. وهذا يسري على باقي الأصناف.
سلع ضرورية ولكن
وتروي أمينة الشيخ التي تقيم في أطراف المخيم نفسه أنّها تأتي إلى المخيم لشراء الخضراوات "لأنّ الأسعار هنا أفضل من خارج المخيم. بتنا نقلل مشترياتنا خلال شهر رمضان هذا العام، لأن الأسعار تشهد ارتفاعاً مستمراً مثل الزيت والأرز والخضراوات، وكل هذه السلع ضرورية، لكن لم نعد نستطيع شراءها وصرنا نكتفي بالقليل منها لتلبية احتياجاتنا اليومية، فنحن نسينا اللحمة من وقت طويل".
وتمضي إلى القول: "تتألف عائلتي من سبعة أشخاص، وإذا أردت على سبيل المثال إعداد وجبة طعام مثل الكوسا مثلا أحتاج إلى 5 كيلوغرامات، علماً أن زوجي يعمل في نقل الأثاث على ظهره، وإذا اشتغل أكلنا وإذا لم يفعل ذلك لا نأكل. وخلال شهر رمضان الحالي سنلغي من قائمة مشترياتنا مأكولات متعددة حتى البطاطا".
وبات شهر رمضان عامًا بعد عام ضيفًا ثقيلًا على أهالي مخيم برج البراجنة هذا العام، أسوة بلبنان عموماً، في ظلّ تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع أسعار السلع بشكل كبير، فاقمها ارتفاع سعر صرف الدولار وانهيار العملة الوطنية في لبنان، وحرمان الفلسطيني من العمل، حيث بات أكثر من 80% من الفلسطينيين المقيمين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر.