عندما يتعلق الأمر بالمقاومة يقف الاحتلال مذعورا لا يعرف تكتيك العمليات الفدائية التي تحدث مفاجِئة في الداخل المحتل (إسرائيل) ولا تستطيع كل فرقه الخاصة وقواته النظامية ومعها الشرطة الصهيونية وما إلى ذلك إيقاف هذه العمليات الفدائية التي أخذت طابعا جديدا من أساليب المقاومة الفلسطينية على غرار العمليات الاستشهادية التي اتبعت في عهد الانتفاضة الأولى، ولكنها اليوم أكثر جراءة وتحديا لكسر هيبة أجهزة أمن الاحتلال وإفشال خططها وكشف زيفها، وهذا ما حدث في العمليات الفدائية الأخيرة في بئر السبع والخضيرة وبني براك وديزنجوف، فبغض النظر عن كونها عمليات فدائية فردية، وهو ما زاد الأمور تعقيدا بأن كل عملية من هذه العمليات انتهت باستشهاد منفذها، هذا الأمر سبب للأجهزة الأمنية والاستخباراتية الصهيونية ضررا وخللا كبيرين في إستراتيجيتها المعهودة بالملاحقة والردع وتحقيق أي إنجاز أمني من شأنه أن يحفظ ماء وجهها، فما رأيناه أول من أمس الحشود العسكرية للاحتلال على أطراف معسكر جنين ومطالبته والد الشهيد رعد حازم بتسليم نفسه لقوات الاحتلال، لهو أكبر إنجاز أراد الاحتلال تحقيقه عملا بمقولة: "في حال جهلك بالخصم، اصنع خصما، أو توجه نحو خصم آخر حتى تستطيع السيطرة على الحالة الضبابية"، لكنه أيضا فشل في تحقيقه الذي قوبل بالرفض من والد الشهيد ثلاث مرات، ما اضطره للانسحاب من المكان مذموما مدحورا بسبب ضراوة وبسالة المقاومة في المكان.
كما كان لقادة الاحتلال على ما يبدو حسابات أخرى أخذتها على محمل الجد، وهو أن تتدحرج كرة الثلج القطبية إلى حرب شاملة على عدة جبهات وهو ما لم تحسب له حسابا في هذا الوقت، فالمقاومة في غزة لن تترك شمال الضفة كما كان عليه الحال عام 2002، وتعلم أيضا أن من شأنه أن يؤدي إلى انقلاب الأمور رأسا على عقب في ظل الأزمة السياسية والأزمة الاقتصادية والقصور في المنظومة الأمنية التي تعصف (بإسرائيل)، وبالتالي دخول جموع الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال في الضفة بالكامل وليس جنين فحسب، إضافة إلى اشتعال الداخل إذا ما دخلت غزة على خط المواجهة، وعندها ستكون الأمور معقدة بشكل كبير، وهو ما لا تُحمد عقباه.
لكن ما لم ينسحب من عقول أجهزة لأمن الاحتلال الإسرائيلية وبقي عائقا في ذاكرتهم حول منفذي هذه العمليات الفدائية الجريئة ويبحثون عن إجابة شافية عن هذه التساؤلات: من؟ وكيف؟ ومتى؟ وأين؟ ففي كل مرة يشن الاحتلال حربا ضروسا على غزة التي تقف بالمرصاد للاحتلال وقطعان المستوطنين وتهب بصواريخها تدافع عن الشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى المبارك، وفي المقابل يده أيضا طليقة في الضفة ويصادر الأراضي ويقتل ويعتقل ويهدم ويهجر ويفعل كل ما بدا له دون أن يجد من يوقفه عند حده، بل بالعكس يجد من يعينه على ذلك بالتنسيق الأمني، فما كان من الشباب الفلسطيني إلا أن يأخذ بيده زمام المبادرة الفردية لينتقل من الدفاع إلى الهجوم. هنا يجب على سلطات الاحتلال الإسرائيلية أن تعلم الضغط يولد الانفجار، فعندما يتعرض الفلسطيني للضغط أكثر فمن المتوقع أن ينفذ عمليات أخرى، وهو وحده من يحدد المكان والزمان.