قبل أن يبدأ رمضان بعدة أشهر تستعد قنوات التلفزة العربية له بإنتاج كم هائل من المسلسلات الدرامية التي تُبث طوال 24 ساعة، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إنّها تهدم قيماً دينية واجتماعية وتاريخية لدى الأجيال القادمة بنشر مظاهر العري والسفور والخلاعة وتزوير التاريخ والسخرية من الدين والمتدينين.
وحتى الأوساط الفنية اعترضت على الانحرافات الخطيرة في تلك المسلسلات التي تهدم قيماً دينية واجتماعية للمجتمعات العربية، فقد شهدت المسلسلات المصرية لموسم رمضان 2022م أزمات حيث تم حظر عرض الحلقة الأولى من مسلسل "دنيا تانية" لـ "ليلى علوي"، كما دشن شباب مدينة بورسعيد حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لمنع استكمال عرض مسلسل "توبة" للنجم عمرو سعد بزعم أنه يسيء للمدينة وأهلها، كما تقدم نائب مصري بطلب منع عرض مسلسل "انحراف" للفنانة روجينا بحجة أنه يروج للعنف بين أفراد المجتمع.
ضبط المشاهدة
السيدة هبة شعت عبرت عن اعتقادها بأن أعدادًا كبيرة من المجتمع الغزي تتابع المسلسلات في رمضان، "أنا شخصياً أتابع عدداً منها لكن أميل للون معين منها، فلا تستهويني كل المسلسلات".
وتبين أنها تقاطع مسلسلات لممثلين بعينهم معروفين بأعمالهم الدرامية المليئة بالألفاظ والمشاهد الخارجة، "أتابع المسلسلات ذات الطابع الاجتماعي أو العائلي، أو التي فيها حبكة درامية جيدة، وأعرف مدى جودة المسلسل من اسم المخرج الخاص به، فغالباً ما أشاهد المسلسلات القديمة نوعاً ما كونها مميزة، أما الآن فأغلب المخرجين ليس لهم بصمة مميزة، ومسلسلاتهم بلا شكل ولا طعم ولا لون".
بينما ترى السيدة عبير المجايدة أن المسلسلات التي تعرض في رمضان تجاوزت للأسف حدود الأدب والأخلاق، "أنا لا أشاهد تلك المسلسلات وعودتُ أبنائي على ذلك، فهي تحتوي غالباً على ألفاظ نابية وإيحاءات جنسية نخجل منها نحن الكبار، فكيف يمكن أن نسمح لأطفالنا بمشاهدتها".
وقالت: "هذه المسلسلات تنتهك حرمة الشهر الفضيل وأنا أساساً لا أشاهد المسلسلات العربية لا في رمضان ولا في غيره، وأمنع أبنائي من مشاهداتها وحتى المحتوى الذي يحضرونه عبر الانترنت أحدده لهم فهو إما رسوم متحركة وإما قصص دينية".
ظلم للشهر الفضيل
الخبير التربوي واستشاري العلاقات الأسرية د. منير رضوان عدّ إطلاق مصطلح "رمضانية" على المسلسلات العربية التي تُعرض خلال شهر رمضان، "ظلمًا كبيرًا للشهر الذي اصطفاه الله ومنحه نسائم روحانية تنقي المسلم من الذنوب".
وأبدى أسفه لكون المنتجين في البلاد العربية يكرسون أوقاتهم طوال العام لإعداد مسلسلات لعرضها في رمضان، تنزع الشهر من ثوبه الروحاني التعبدي، للالتهاء بأعمال كلها سفور وعري، "فهم يغزون بيوتنا بمسلسلات بعضها شيطانية مليئة بالإسفاف والفجور والتبرج".
وأشار إلى أن للعديد من هذه المسلسلات آثارًا سلبية جمة على الأجيال الجديدة فهي تلهيهم عن الأجواء الإيمانية وتدمر القيم الدينية والاجتماعية لديهم.
ودعا الأسر الفلسطينية لملء أوقات أبنائها خلال رمضان لإبعادهم عن تلك المسلسلات، عبر برامج تعبدية تعينهم على قضاء وقتهم، وتوجيههم إلى مشاهدة محتوى قيمي.
وأشار رضوان إلى أن الآباء أنفسهم قدوة حسنة لأبنائهم في شغل وقتهم الرمضاني بالطاعات وعدم مشاهدة المسلسلات، وعدم وجود فراغ في جدول الأبناء سيحول دون متابعتهم لتلك المسلسلات.
تشويه التاريخ
ونبه إلى أن تلك المسلسلات حتى التاريخية والسياسية منها قد تقدم معلومات مغلوطة للأجيال القادمة وتقلب الحقائق التاريخية، كما أن الاجتماعية منها تزدري منظومة أخلاقنا القيمية وتروج للعنف والعدوانية.
وإذ يبين رضوان أن تلك المسلسلات تجذب الجماهير بما فيها من عناصر جذب وإثارة وتشويق وشد للانتباه، يقول إنها تحاصر المشاهد من كل جانب فكل القنوات تعرض مسلسلات طوال الأربع وعشرين ساعة، فمنها من تروج للخمور والمخدرات والقتل والثأر.
ومضى إلى القول: "ينبغي إبعاد أطفالنا عن هذا النوع من الدراما، فالأطفال صفحة بيضاء يحاكون ما يشاهدونه في الرسوم المتحركة فما بالك بالآثار التي ستنعكس عليهم عندما يشاهدون تلك المسلسلات بما تحتوي من سلوكيات تبيح شرب الخمر والفاحشة وتزدري قيم الفضيلة".
وألقى بالمسؤولية على عاتق الآباء والأمهات الذين يجب أن يضربوا قدوة حسنة لأبنائهم في عدم مشاهدة تلك المسلسلات، ومراقبة ما يشاهده أبناؤهم، وتوجيههم لمشاهدة المسلسلات القيمة التي تحث على الفضيلة والدفاع عن الوطن على قنوات هادفة كقناة الأقصى.
وأضاف:" فلا يمكن أن يسلك الأبناء سلوكاً إيجابياً وهم يشاهدون آباءهم يتسمرون أمام المسلسلات الهابطة ويضيعون صلاة التراويح والعبادات، فالأسرة إذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت فسد المجتمع".
وسبق أن أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر بياناً موجهاً لصناع المسلسلات المصرية لموسم رمضان 2022، والقنوات الفضائية المصرية والعربية، ناشدهم فيه ضرورة الالتزام بالكود الإعلامي الذي يتضمن احترام عقل المشاهد، والحرص على قيم وأخلاقيات المجتمع، وعدم اللجوء إلى الألفاظ البذيئة والحوارات المتدنية والسوقية، والتوقف عن تمجيد الجريمة وعدم الإساءة للمجتمع المصري، وهو ما يلتزم به صناع هذه الأعمال كما يظهر من الحلقات الأولى لمسلسلاتهم.