اتفق مراقبان على أن إجراءات رئيس السلطة محمود عباس تجاه قطاع غزة المحاصر التي اتخذها، أخيرًا، وأثرت على الأوضاع الإنسانية، عقاب جماعي يرقى لـ"جريمة" بحق أكثر من مليوني مواطن غزِّي.
وشملت قرارات عباس منع تحويلات المرضى لمستشفيات القدس والضفة الغربية وأراضي الـ48 المحتلة، وتقليص رواتب أكثر من 70 ألف موظف يتبعون السلطة، وإقرار قانون التقاعد الإجباري، وتقليص منسوب قدرة الكهرباء المغذية للقطاع.
وهذه الإجراءات يراها عضو الهيئة التنسيقية لشبكة المنظمات الأهلية في غزة محسن أبو رمضان، "مخالفة للقانون الأساسي والمعايير والأعراف الوطنية الفلسطينية".
وأكد أبو رمضان لـ"فلسطين"، أن هذه الإجراءات تمس حياة جميع المواطنين، ووصلت الأمور للتنسيق مع الاحتلال لقطع التيار الكهربائي رغم أنها تأتي لساعات محدودة جدًا، مشيرًا إلى أن "كل هذه الأمور مدعاة للسخط والاستنكار من قِبل الغزِّيين، ومن قِبل منظمات العمل الأهلي والمنظمات الحقوقية المختلفة".
لن تنهي الانقسام
وأضاف "السلطة تتخذ إجراءات غير مسبوقة كان قد أعلن عنها الرئيس عباس بحق قطاع غزة، ظنًا منه أن ذلك سيقود إلى إنهاء الانقسام، ولكن ليس هكذا تورد الإبل؟. فحياة ومستقبل المواطنين مسألة مصيرية".
وشدد على ضرورة تعزيز مقومات صمود المواطنين، عادًا أن "مدخل المصالحة يأتي من خلال الحوار، وتفعيل الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، والشراكة الوطنية وتشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية لا تميز بين أحد، على أن تنفذ مسؤولياتها فيما يتعلق بالإعمار والمعابر، والتحضير لانتخابات".
لكنه أبدى استغرابه تجاه قرار منع المرضى، متسائلاً: كيف يمنع مريض من التحويل لتلقي العلاج؟. فهذه ليست وسيلة لإنهاء الانقسام، وإنما وسيلة عقاب جماعي تندرج في إطار مخالفة القانون الأساسي وسلسلة التعاقدات التي وقعتها دولة فلسطين المعترف بها عضوًا مراقبًا في الأمم المتحدة، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والعهد الخاص بالحقوق السياسية والمدنية، كما يشكل انتهاكًا للقانون الأساسي الفلسطيني الذي يضمن حياة كريمة للموظفين، ويضمن توفير شبكة حماية وأمان لهم.
وأضاف عضو الهيئة التنسيقية لشبكة المنظمات الأهلية في غزة، أن إجراءات "عباس" لا تساعد في تشكيل مقومات الصمود وإنما تفسخ وحدة النسيج الاجتماعي.
وتوفي 16 مريضًا من قطاع غزة بينهم ثلاثة مواليد، إثر المماطلة في تحويلهم للعلاج خارج قطاع غزة من قِبل وزارة الصحة في رام الله، حسبما أعلنت مصادر رسمية في غزة.
وحذرت مؤسسات دولية من عدم إمكانية العيش في قطاع غزة مع حلول عام 2020، إثر تدهور الأوضاع الإنسانية بفعل الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالمواطنين.
"جرائم لا تسقط"
وفي هذا الصدد، أكد المحامي والناشط الحقوقي صلاح عبد العاطي، على ضرورة وقف "عباس" للإجراءات العقابية في ظل تكرار التحذيرات المحلية والدولية من تردي الأوضاع في قطاع غزة.
وأضاف عبد العاطي لـ"فلسطين": "على الرئيس وقف الإجراءات العقابية كونها جرائم لا تسقط الدعاوى المدنية أو الجنائية عنها بالتقادم وفق نص القانون الأساسي الفلسطيني".
وكان لهذه الإجراءات العقابية، والقول لـعبد العاطي، أوجه تأثير كارثية خاصة بعد أزمة الكهرباء "فللمرة الأولى تصل أزمة الكهرباء لهذا المستوى الخانق، بعد طلب السلطة من الاحتلال الإسرائيلي وقف إمدادات الكهرباء، والاتفاق لتخفيض منسوب الكهرباء، ومنع وإعاقة تحويلات المرضى، ومنع الأدوية".
ونتج عن ذلك أزمة في إمداد المواطنين بالمياه وتصريف لمياه الصرف الصحي، وانتشار أمراض، وارتفاع مستوى الفقر والبطالة، وخصم رواتب موظفين، وقطع رواتب آخرين، وتخفيض المساعدات الإنسانية، وهذا ما عمق جروح وأزمات قطاع غزة المحاصر منذ 11 سنة وتعرض لثلاث حروب عدوانية شنتها (إسرائيل)، بحسب عبد العاطي.
وأكد أن ذلك "يتطلب حراكًا جديًا خاصة في الضفة الغربية من أجل ضمان وقف هذه الإجراءات، والضغط من أجل حوار وطني شامل والاتفاق على برنامج عمل وطني واستراتيجية وطنية موحدة لمواجهة التحديات".
وطالب بالتعامل مع قطاع غزة بتمويل ايجابي في ظل الكارثة التي يحياها، وهذا يتطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية تحضر لإجراء انتخابات عامة للخروج من الأزمة الراهنة، مضيفًا: حكومة الحمد الله ملزمة وفق قواعد القانون الفلسطيني، بعدم التحلل من التزاماتها ورفع أي إجراءات على غزة. كما طالب المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية بالتعامل مع غزة كمنطقة محتلة للضغط على الاحتلال الإسرائيلي لرفع الحصار المفروض.