لم يمنع نجاح رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينت، في جلب وزراء خارجية مصر والمغرب والإمارات والبحرين إلى صحراء النقب في منع سقوط حكومته. لم تسقط بسبب أزمة اقتصادية ولا هزيمة عسكرية ولا خيارات استراتيجية؛ سقطت لسبب فقهي بسيط، الوزيرة المتدينة عيديت سلمان استقالت احتجاجا بسبب عدم احترام وزير الصحة اليساري من حركة ميرتس "قواعد صيام الفصح العبري في المشافي"، وذلك بعد أن سمح بدخول الخبز (نعم الخبز) المستشفيات! لم يؤثر ذلك على البرنامج النووي الإسرائيلي، ولا على اختراق دولة الاحتلال الشركات الناشئة والرائدة في السيليكون فالي، ولا على تجارة السلاح وبرامج التجسس. ولم يوقف عدوان إسرائيل على الشعب الفلسطيني قتلا واغتيالا واختطافا، واحتلالا واستيطانا وانتهاكا للمقدسات، فالدولة تواصل عملها كالمعتاد.
ربما فاجأ ذلك كله وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، الذي وقف مشدوها في المؤتمر الصحافي الجماعي عقب "قمة النقب"، وصرح "نحن فضوليون ونريد أن نتعلم أشياء جديدة ونعرفها". ليس العربي هنديا أحمر مشدوها أمام رجل أبيض، من المفروض إن وزراء خارجية الدول المطبعة إلى درجة التحالف مع إسرائيل تعرفها تاريخا ونظاما، من المؤسس صاحب المقام المزار إلى نفتالي وحكومته (وهي عصابة قتالين قتلة يمينية متطرفة). وبما أنهم جعلوا التطبيع عقيدة ولاءٍ وبراء، من المهم أن ينبهروا بمنجزات العدو ويقلدوها. ونحن الذين نعتبر الكيان مشروعا استعماريا عنصريا؛ لا نجهل عناصر القوة فيه التي مكنته من الانتصار والبقاء.
المؤسس بن غوريون صاحب القبر المُزار افتخر بأنه أسس إسرائيل من 45 جنسية، يعني ضعف دول العالم العربي، وجدوا ما يجمعهم في المشروع الصهيوني، انصهروا في إطار دولة. لم يكن لديهم لغة. كانت العبرية قد انقرضت، وتحولت إلى لغة صلوات. لم يكن مؤسسو دولة الاحتلال متدينين، لكنهم استخدموا الدين لتحقيق طموحهم. ولم يمنعوا المتدينين والمتشددين من دخول الحياة السياسية. بما أنك تخدم في الجيش، لا يهم من أين جئت، وما لونك، حتى ما دينك، فالصهيوني قد يكون مسلما وقد يكون مسيحيا أيضا، متدينا وغير متدين.
ينصهر الجميع من خلال القتال، كل إسرائيلي مقاتل أو في الاحتياط. وعندما قُتل رابين، كُتب على شاهد قبره "جنرال احتياط". ومن ينافسون في السيلكون فالي هم أبناء الصناعة العسكرية الاسرائيلية، ولم تتحقق الصناعات التقنية المتطورة في معسكرات السلام والبرامج السياحية التطبيعية. لم يُلق هذا المجتمع السلاح منذ وصل مهاجروه ليستوطنوا أراضي الفلسطينيين بالقوة. وكان الجيش رافعةً اقتصادية للبلاد، لا عبئا عليها. لم ينافس في المقاولات وصناعات الأغذية والكفتة، وإنما انشغل في الصناعة التي لا يتقنها غيره، وهي الصناعات العسكرية التي تحولت إلى استثمارات مالية وسياسية.
جريا وراء فضول عبد الله بن زايد، والذي شعر بالندم على تأخره في الالتحاق بـ"كامب ديفيد"، لك أن تقارن حال دولة العدو بحال الدول العربية التي صالحت منذ أكثر من أربعة عقود وتوقفت عن الحرب. أين اقتصاد مصر بعيدا عن أكاذيب الدراما؟ دولة غارقة في القروض، عاجزة عن تأمين الخبز لأبنائها، وبعد الحرب الروسية الأوكرانية ألغت الحكومة مناقصتين لشراء القمح بعد ارتفاع أسعاره. هل حقق السلام مع العدو الرفاه الذي بشرنا به دعاة الشرق الأوسط الجديد، سواء في مصر أم الأردن؟ في البلدين مشكلة مياه وخبز قبل كل شيء!
بما أنهم مبهورون مثل الهندي الأحمر عندما فوجئ بالرجل الأبيض، عليهم أن يتعلموا سر الصنعة من معلمهم الجديد الذي تنهار حكومته بسبب إدخال الخبز للمستشفيات، فالوطن ليس زعيما خالدا، ولا قادة جيش أشاوس مخلدين. الوطن مؤسسات أكبر منهم. بن غوريون تقاعد وأكمل شيخوخته في النقب، وهو المؤسس الذي تلمسوا مقامه. قادة الجيش الذين ربحوا حروب دولة الاحتلال مع العرب، مثل رابين وديان وباراك، خسروا الانتخابات. حزب العمل الذي أسس الدولة وحقق إنجازاتها الكبرى تحول إلى حزب هامشي، وتتصدر الائتلاف الحاكم أحزابٌ جديدة. في الوقت الذي يعتقل الإسرائيليون آلاف الفلسطينيين بلا رحمة، لا يوجد معتقل رأي إسرائيلي بسبب خلافه مع الحكومة. في المقابل، يعتقل رئيس الدولة ورئيس الوزراء بسبب الفساد، ويحقق مع نتنياهو ويُلاحق قضائيا.
ما أخشاه أن يلجأ نتنياهو إلى الإمارات، في حال ثبوت تهم الفساد.