فلسطين أون لاين

الصبر من لوازم الصيام

...
صورة تعبيرية
د فتح الله صبحي أبو ناجع - ماجستير علوم القرآن وتفسيره

إن عجائب شهر الصوم لا تنقضي، ونفحاته الربانية لا تنتهي، فكل الشهر هبات ونعم، فشهر الصوم هو شهر الصبر كما قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة" وقد ورد عن النبي أنه شهر رمضان سمي شهر الصبر، وفي حديث آخر عنه قال: "الصوم نصف الصبر" لما يحتاجه من عزيمة فالذي يمتثل لأوامر الله في أداء الواجبات والتكاليف في هذا الشهر سوف يُطعم معنى الصبر، ويسمو بنفسه عن اتباع الهوى والشهوات ويكون أقدر على مواجهة الفتن والمغريات بعد رمضان. وفي رمضان فهو شهر جهاد النفس وتربيتها.

فالذي يصوم رمضان وهو منضبط انضباطاً تاماً شهراً كاملاً لا بد أن يخرج من هذا الشهر وقد اكتسب صفة الصبر، فالذي صبر عن الحرام، وصبر عن الأكل والشرب، وجد على صلاة التراويح والقيام، وصبر على كف اللسان والجوارح، فمن لم يخرج من رمضان صبوراً فقد فاته خير كثير، وحرم نفسه فرصة عظيمة جداً لاكتساب صفة تخلق بها الأنبياء والرسل.

فقد قال ابن رجب الحنبلي: "وأفضل أنواع الصبر: الصيام، فإنه يجمع الصبر على الأنواع الثلاثة؛ لأنه صبر على طاعة الله، وصبر على الأقدار، وصبر عن معاصي الله؛ لأن العبد يترك شهواته لله ونفسه قد تنازعه إليها، ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن الله عز وجل يقول: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي، وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي".

قال الطبري رحمه الله تعالى في تفسير تقديم الصبر على الصلاة في قوله تعالى: "واستعينوا بالصبر والصلاة"، إن الله "أمر المسلمين بالصبر على ما كرهته نفوسهم من طاعة الله، وترك معاصيه، وذلك أن أصل الصبر منع النفس محابها، وكفها عن هواها؛ ولذلك قيل للصابر على المصيبة: صابر؛ لكفه نفسه عن الجزع، وقيل لشهر رمضان: شهر الصبر؛ لصبر صائمه عن المطاعم والمشارب نهاراً".

وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر، ويُذهب مَغَلَّة الصدر، قال: قلت: وما مَغَلَّةُ الصدر؟ قال: رجس الشيطان" رواه أحمد.

وذلك يعني أن شهر رمضان موسم لتأديب النفس وتأهيلها وتدريبها على الصبر، ويتحقق ذلك بأشكال عدة، نذكر منها:

ترك محبوبات النفس نهارا من الطعام والشراب والصبر عليها.

الصبر على تنوع العبادات ومشقة الطاعة، من صلاة وصيام وتلاوة قرآن وصدقة.

حفظ اللسان وعدم إطلاق العنان له، كما أوصى النبي: "ولو سابك رجل أو قاتلك فلتقل إني امرؤ صائم". وقوله: "إذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم".

مجاهدة النفس على ترك المحرمات والخطايا.

ولقد وصف الله تعالى الصابرين بأوصاف كثيرة، وذُكر الصبر في القرآن في نيف وسبعين موضعا وأضاف أكثر الدرجات والخيرات إلى الصبر وجعلها ثمرة له وقد بينت آيات كثيرة ثواب الصبر عند الله، منها أنه جمع للمؤمن ثلاثة أمور لم تجمع في غيرها، قال تعالى: "أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون". وقد جعل الله الصبر على المصائب من عزم الأمور، أي مما يعزم من الأمور التي إنما يعزم على أجلها وأشرفها: "ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور". وقوله تعالى: "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب"، "إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"، "وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ" فانظر أيها المؤمن الصابر المحتسب ألا تكفيك محبة الله ومعيته وأن يوفى أجرك بغير حساب.