بعد تكتُّم دام قرابة عامين، كشف الاحتلال الإسرائيلي عن معلومات حول نفق للمقاومة يخترق السياج الفاصل شرق غزة بعمق 70 مترًا أسفل سطح الأرض، تزامن نشره مع حالة العجز الأمني الكبير الذي يُصارعه منذ معركة "سيف القدس" في مايو/ أيار الماضي، وما تلا العمليات الفدائية الأخيرة.
وعلى الرغم من أنّ النفق اكتُشف عام 2020، يرى مُختصّان في حديثين مُنفصلين لصحيفة "فلسطين" أنّ الاحتلال اضطرّ للاستعانة بالأرشيف لتسويقه على أنه إنجاز للتغطية على فشله الأمني، لإيصال رسائل للمقاومة كي يتجنّب معركة معها في ظلّ تصاعد الأحداث بالضفة الغربية والقدس المُحتلّتين.
رسائل للمقاومة
ويرى المختص في الشأن الإسرائيلي أيمن الرفاتي أن الاحتلال يعيش أزمة فيما يتعلق بالوضع في قطاع غزة ويريد إرسال رسائل ردعية للمقاومة عبر وسائل الإعلام لتجنب مواجهة عسكرية جديدة على غرار "سيف القدس" في مايو/ أيار الماضي، بإظهار أنه استطاع إحباط الأنفاق التي تحفرها على عمق كبير.
ولفت الرفاتي إلى أن كشف الاحتلال عن النفق يتزامن مع تصريحات رئيس هيئة أركان جيشه أفيف كوخافي بأمر قواته بالاستعداد لمعركة جديدة على غرار معركة "سيف القدس"، والتي تأخذ منحنى ردعيا في محاولة لتجنب المواجهة في ضوء تصاعد الأحداث بالضفة الغربية والقدس والداخل المحتل.
وأكد أن ائتلاف الاحتلال الحكومي يعيش حالة من العجز والتراجع في شعبيته داخل المجتمع الإسرائيلي ويريد تقديم أي إنجازات له، بالتالي يأتي كشف النفق لتأدية هذا الغرض، وإضافة إلى ذلك هناك جانب نفسي أراد أن يلعب عليه الاحتلال باستهداف الحاضنة الشعبية للمقاومة عبر إبراز مقارنات اقتصادية بالحديث عن الأموال التي تنفقها المقاومة في مشاريعها الاستراتيجية وتقليل أهميتها.
وأشار إلى أن النفق قديم يعود لعام 2020 باعتراف الاحتلال، وهو يمثل محاولة من المقاومة لتجاوز الجدار الأرضي، وهذا الكشف الإسرائيلي لا يعني أن المقاومة عاجزة عن غيره، بل ما تم اكتشافه ربما واحد من منظومة كبيرة تمتلكها.
ويتزامن كشف الاحتلال عن النفق مع حالة فشل أمني يعيشها في الضفة الغربية والداخل المحتل مع تصاعد عمليات المقاومة التي قتل فيها 12 إسرائيليا في مارس/ آذار الماضي، لذا التوقيت يدلل على أنه عاد للأرشيف معتقدا أن استخراجها الآن يمكنه التغطية على فشله الأمني وعجزه عن مواجهة غزة، في إطار محاولة إحداث ردع استباقي كي لا تتدخل المقاومة في أي تطورات في القدس المحتلة لعدم الوصول إلى معركة جديدة، وفق الرفاتي.
ويعتقد أن المقاومة كانت على دراية بتحركات الاحتلال واكتشافه النفق، مشيرًا إلى أنها تفهم رسائله وربما ليس لديها أي إشكاليات في تكرار معركة "سيف القدس" إذا ما تطلب الأمر خلال الفترة الحالية في حال زاد تغول الاحتلال على الشعب الفلسطيني.
سقوط المشروع
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلن الاحتلال الانتهاء من بناء الجدار "التحت الأرضي" بمحاذاة السياج الفاصل مع غزة بطول 65 كلم وبارتفاع 6 أمتار عن سطح الأرض وبعمق عشرات الأمتار، بعد ثلاث سنوات ونصف من بدء العمل به، وبتكلفة 3 مليارات ونصف المليار شيقل.
ويقول الخبير الأمني محمد أبو هربيد إنّ الاحتلال يعتبر أنه أنجز خطة استراتيجية لوقف تهديد أنفاق المقاومة، بالتالي أيّ خللٍ يضرب هذا الجدار بوجود نفق بالحجم الذي عرضه يُعدُّ سقوطًا لمشروعه، مُضيفًا أنّ تهديدات كوخافي التي تزامنت مع كشف النفق تُدلّل على أنّ الاحتلال يُهدّد، ليس من باب أن لديه خطة لدخول غزة وإنما للتغطية على فشله الأمني مؤخّرًا.
ويعتقد أبو هربيد أنّ الاحتلال لا يزال يختبر الجدار كمشروع استراتيجي، ويعقد عليه آمالًا كبيرة لمنع الأنفاق، في وقت لم تأتِ أيّ معركة تختبره واقعيًّا.
ويرتبط بالجدار، كما أشار الخبير الأمني، مشاريع بنية تحتية ومدنية وعسكرية يقيمها الاحتلال في المناطق المُحاذية لغزة، لذا يسعى للترويج لها بإطلاق التصريحات والتطمينات لجمهوره، مشيرًا إلى وجود مشاريع لديه تُقام بالمناطق المُحاذية لشمال شرق القطاع لبناء أبراج ومدن سكنية بتكلفة 6 مليارات شيقل.