فلسطين أون لاين

إمام البخلاء

...
صورة أرشيفية

زعموا أن رجلا قد بلغ فيه البخل غايته، وصار إماماً لكل البخلاء في عصره، وأنه لشدة شُحِّه كان إذا صار في يده الدرهم خاطبه وناجاه وفداه واستنبطه، وكان مما يقول له: كم من أرض قد قطعت؟ وكم من كيس قد فارقت؟ وكم من خامل رفعت؟ وكم من رفيع قد أخملت؟ لك عندي ألا تعرى ولا تضحى. ثم يلقيه في كيسه ويقول له: اسكن على اسم الله في مكان لا تُهانُ، ولا تُذلُّ ولا تُزعَجُ منه!

وقيل إنه لم يُدخل في كيسه درهماً قط ثم أخرجه، وذات يومٍ ألحَّ عليه أهله في طعام اشتهوه، وأكثروا عليه في إنفاق درهم، فدافعهم ما أمكن ذلك، لكنهم لم ينتهوا، فاستجاب وحمل درهماً واحداً فقط، وبينما هو ذاهب إذ رأى حواء يحمل حية على كتفه لدرهم واحد فقط يأخذه، فقال صاحبنا لنفسه: أأتلف شيئاً تُبذَل فيه النفس بأكلة أو شربة؟! والله ما هذا إلا موعظة لي من الله، فرجع إلى أهله، ورد الدرهم مرة أخرى إلى كيسه.

فكان أهل البخيل منه في بلاء، وكانوا يتمنون في كل يوم موته والخلاص منه، حتى جاء اليوم الذي مات فيه، وظنوا أنهم قد استراحوا منه، فتقدَّم ابنه فاستولى على ماله وداره، ثم قال لأهله: ما كان إدام أبي فإن أكثر الفساد إنما يكون في الإدام؟ قالوا: كان يتأدم بجبنة عنده. قال: أرونيها. فإذا فيها حزٌّ كالجدول من أثر مسح اللقمة!

قال: ما هذه الحفرة؟ قالوا: كان لا يقطع الجبن، وإنما كان يمسح على ظهره فيحفر كما ترى! قال: فبهذا أهلكني وبهذا أقعدني هذا المقعد! لو علمت ذلك ما صليت عليه. قالوا: فأنت كيف تريد أن تصنع؟ قال: أضعها من بعيد فأشير إليها باللقمة!!