وسط ضجيج اللاهثين للتسوية مع العدو, وارتفاع صخب المهرولين للتطبيع مع الصهاينة, وسيل الاتهامات المرجفة والكاذبة ضد المقاومة الفلسطينية, وتجرؤ البعض على اتهام المقاومة بـ"الإرهاب", ومع اشتداد الحصار الظالم على قطاع غزة, قلعة المقاومة وحصنها الأخير, تشرق مع صباح الجمعة المباركة 14-7، ثلاث شموس ناصعات, تتقاطر قطرات الدم الطاهرة بخيوطها النارية عبر رصاصات الكارلو في باحات المسجد الأقصى المبارك, سعيًا لإحقاق الحق الفلسطيني المقدس, وإبطال الرواية الصهيونية الخبيثة, وصرخة في وجه كل المفرطين والخانعين, أن توقفوا فنحن أصحاب الحق, نجود بدمائنا ونضحي بأرواحنا, دفاعًا عن مقدساتنا في فلسطين, ولا يعنينا وصفكم لنا, ولن تثنينا اتهاماتكم لنا, عن مواصلة واجبنا في الدفاع عن شعبنا وأرضنا ووطننا ومقدساتنا, هذا ما أراد فرسان عائلة جبارين الفحماوية المجاهدة الأصيلة, أن يؤكدوه, لتكون ابتسامة الغد أفضل وأجمل دون احتلال, وهذا آخر ما كتبه شهداء اشتباك الأقصى على صفحات الفيس بوك, وهم يلتقطون الصور بخلفية قبة الصخرة المشرفة في المسجد الأقصى المبارك, فالمقاومة فعل إنساني حضاري يدفع من خلالها الإنسان المقاوم, العدوان الواقع عليه أو على وطنه من عدو خارجي, يحاول السيطرة عليه وإخضاعه لمخططاته بقوة الإرهاب, ومحصلة الفعل المقاوم إعادة البهجة والسرور والابتسامة للوطن والشعب بعد الانعتاق الحقيقي من الاحتلال, والذي لن يكون إلا بطرد المحتل نهائيًا, وبالتالي جلب الاستقرار والهدوء والتنمية والتفاعل الحضاري الإنساني, وبالتالي تكون النتيجة أن الاحتلال هو الإرهاب, فمن يريد عربيًا أن يحارب الإرهاب, ما عليه إلا المساهمة الجادة في دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته, من أجل محاربة الإرهاب المتمثل بالمحتل الغاصب لفلسطين ومقدساتها.
مقاومو انتفاضة القدس المباركة, يملكون رؤية سياسية وطنية, فالانتفاضة المباركة لها جملة من الأهداف الوطنية التي في مقدمتها حماية المسجد الأقصى من مؤامرة التقسيم الصهيونية, ورفض تهويد مدينة القدس المحتلة, ومواجهة الاستيطان الصهيوني في الضفة المحتلة, لذلك ترى المقاومين الأبطال يتفاعلون مع الأحداث السياسية والإجراءات الاحتلالية, ويسجلون بعملياتهم الفدائية الرد الشعبي الفلسطيني, ولعل المتابع للعمليات الفدائية منذ اندلاع انتفاضة القدس, يجد بكل وضوح الرسائل السياسية الوطنية, التي يحاول منفذو العمليات البطولية إيصالها للعدو الصهيوني ولكل الأطراف ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية, فعلى سبيل المثال كانت عملية "وعد البراق" الاستشهادية بتاريخ 17-6-2017م, ردًا على تصريحات البعض التي أعطت اليهود الحق في حائط البراق, الذي هو جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك, وقد سجلت منظمة يونسكو بتاريخ 13-10-2016م, أن لا علاقة لليهود بالمسجد الأقصى وحائط البراق, ومع ذلك يظهر علينا من ينطق بلغة الضاد ولهجة أهل فلسطين, ليوافق الصهاينة على ادعائهم وتزويرهم بخصوص حائط البراق, ورفضًا لهذا الهذيان والتخريف يخرج مقاومو انتفاضة القدس في عملية "وعد البراق", من قرية دير أبو مشعل قرب رام الله, الشهداء الأبرار براء إبراهيم صالح عطا, وأسامة أحمد مصطفى عطا, والشهيد عادل حسن أحمد عنكوش, فكانوا رحمهم الله, أبلغ من تحدث بلهجة الحق الفلسطيني, وخير من أناب للدفاع عن طهر القضية والأرض الفلسطينية.
وعلى ذات النهج الثوري الواعي والفعل المقاوم اليقظ, تقدم فرسان أم الفحم البطلة, الشهداء المحمديون الشهيد محمد أحمد جبارين, والشهيد محمد حامد جبارين, وأيضًا الشهيد محمد أحمد جبارين أبناء عمومة تطابقت أسماؤهم وتلاقت همهم وتزاحمت بينهم هموم الأقصى وفلسطين, وتناسقت أفكارهم وتكاملت مقاومتهم فأبدعت إرادتهم القوية اشتباك الأقصى البطولي, ليؤكدوا السيادة الإسلامية الأصيلة على المسجد الأقصى المبارك, وأن هذا الفعل الجهادي النوعي وغير المسبوق يأتي رفضًا لحملات التدنيس اليومي من قطعان المستوطنين وغلاة الصهاينة, وتحديًا لقرار المحاكم الصهيونية, القاضي بالسماح مجددًا لنواب الكنيست الصهيوني باقتحام المسجد الأقصى, بعد أن تم منعهم من تدنيس الأقصى بعد اندلاع انتفاضة القدس المباركة.
وعبر قراءة سريعة لعملية اشتباك الأقصى, نستطيع القول بأن رسالة عديدة أوصلتها العملية النوعية في طليعتها أن المسجد الأقصى خط أحمر, ولا يمكن القبول باستمرار تدنيسه اليومي, أو التخطيط لتقسيمه في محاولة لوضع موطئ قدم للصهاينة فيه, وخاصة أن العملية جاءت كما ذكرنا سابقًا بعد إعادة السماح للنواب والوزراء الصهاينة باقتحام الأقصى, ومن الرسائل ذات الدلالة بأن شعبنا الفلسطيني ما زال يتمسك بالمقاومة وأن شباب فلسطين يؤمنون بحتمية المعركة مع العدو الصهيوني, لذا فإن التعويل على الوقت والرهان على الزمن, من أجل إنهاء الانتفاضة أو قمع المقاومة سيبوء بالفشل, وأن من سيتبرع بالمجان لتجريم مقاومة شعبنا عبر الإدانة الآثمة للفعل البطولي في الأقصى, هي أصوات خارجة عن الإجماع الوطني, ليس لها رصيد في الشارع الفلسطيني, وأصبحت أقوالهم والعدم سواء, ورسالة أخرى تؤرق الأمن الصهيوني, وهي أن فلسطينيي الـ48 على عهدهم مع قضيتهم ومقدساتهم, وأن المساس بالمسجد الأقصى سيشعل فلسطين التاريخية غضبًا وثورة وانتفاضة شاملة في الجليل والمثلث والنقب, فأكثر من ميلوني فلسطيني هم القنابل الموقوتة التي ستتفجر ثأرًا للأقصى المبارك، إذ تعرض لأي مكروه أو مساس غادر من الصهاينة.
ولعل الرسالة الأبلغ أن مقاومتنا الباسلة وانتفاضتنا المجيدة, تسعى نحو تطهير مقدسات المسلمين في فلسطين, وأن الفلسطيني ليس بالمعتدي, بل هو صاحب الحق, نقول ذلك لتجلية الحقائق, بعد محاولات التضليل الممنهج, عبر وسائل الإعلام المدفوعة الأجر, والتي تحاول الترويج للتعايش مع العدو المحتل والتطبيع معه, وأن من حقه أن يعيش بأمان وسلام, تناسيًا متعمدًا للحقائق الدامغة, بأن الصهيوني محتل جاء من أصقاع الأرض, ليحتل بقوة الإرهاب بلد العروبة والإسلام, وأن من الواجب علينا جميعًا كفلسطينيين وعرب ومسلمين مقاومته وطرده, لا التعايش معه أو الترويج لإقامة العلاقات الدبلوماسية, تنفيذًا لرغبات شيطان البيت الأبيض, ترامب إلى زوال ويبقى التاريخ يكتب, بحروف العزة أصحاب مواقف الثبات والبطولة, ويكتب بحروف الخسة والنذالة, أسماء من سقطوا في وحل التبعية والانحياز للعدو والانصياع للأجنبي المعتدي, ومسار التاريخ يسرد لنا, من كان مع فلسطين كانت له الكرامة والرفعة, ومن والى أعداءها وناصر محتليها, كُتب في قوائم الخزي والعار.
بوركت دماؤكم يا فرسان آل الجبارين, بوركت أم النور "الفحم", منارة للمنتصرين للأقصى المبارك, وتستمر المقاومة ويتواصل جهاد شعبنا وتمضي انتفاضة القدس.