وجدت مها أبو شاويش رغبة كبيرة لدى ابنتها ملاك ذات الخمس سنوات، بالصيام مع دخول أول أيام شهر رمضان، دخلت في صراع نفسي ما بين تلبية رغبتها، والخوف عليها من التعب بسبب أثر الصيام، ولكن في النهاية نزلت عند طلب ملاك.
في كل يوم توقظ أبو شاويش ابنتها على وجبة السحور، لتعينها على الصيام، تفاجأت بالسعادة التي تغمر محيا طفلتها، رغم أنها كانت لا تقوى على إكمال صيامها، إلا أنها تمكنت في النهاية أن تصوم يومين كاملين.
بينما يتبع إبراهيم حسنية أسلوب الثواب في مجازاة طفله ذي السبعة أعوام حيث يرغبه بمضاعفة مصروفه اليومي إذا أكمل صيام يوم كامل.
يقول حسنية (48 عامًا): "لديّ خمسة أطفال، اتبعت التدرج في تعويدهم على الصيام حسب القدرة الجسدية لكل منهم، فلديّ طفل صام في سن الثامنة، في المقابل آخر صام في عمر السادسة وحده دون تدخل مني، كان يُفضل مرافقتي في صلاة التراويح، وأتعمد شراء هدايا لهم على الدوام لمكافأتهم على الصوم".
والتدرج والتحفيز
"صوم العصفورة" طريقة تتبعها يسرى حمادة مع أطفالها، حيث تبدأ بتعويدهم على الصيام تدريجيًا، بصيام ساعات قليلة في مرحلة الروضة، ومن ثم لصلاة الظهر وبعدها بعام على صلاة العصر، ومع وصولهم إلى سن التكليف يكونون قادرين على صيام اليوم كله وقد اعتادوا أجواء الصيام.
وتقول حمادة (34 عامًا) لـ"فلسطين": "في عمر السادسة أعودهم صيامَ يوم بعد يوم، وفي عمر السابعة يمكن أن يصل لصيام 20 يومًا، وفي عمر الثامنة يكون لديه قدرة على صيام 30 يومًا".
في حين يقول ناصر عبد الله إن الأطفال ينتظرون أي فرصة للتماهي مع الكبار، فكما يقلدون أهلهم في اللباس والكلام، كذلك يقلدونهم في الصلاة والصيام.
ويخبر أن أولاده كانوا في طفولتهم يصرّون على الصيام فقط ليستيقظوا في وقت السحور، إذ كان الاستيقاظ ممنوعا عليهم إلا للصائم منهم، وكانت تفرحهم هذه "اللمّة" أو التجمع للعائلة في الليل.
لم يطلب عبد الله من أولاده الصيام أبدًا كما يروي، ويقول إنه كان وأمهم قدوة أراد الأطفال قبل سن تكليفهم أن يتبعوهما.
لكن ابنه اليوم يحاول تشجيع أولاده على الصيام بإحضار الهدايا لهم ومنحهم المال، وهو ما لا يفضله عبد الله ويجده أنه قد يعلم الطفل الابتزاز!
التدريب على الصيام
من جهتها تؤكد الاستشارية التربوية د. فاطمة صبح أن التدرج هو الطريقة الأمثل لتدريب الطفل على الصيام، وفي العبادات كافة، مع الأخذ بعين الاعتبار سنه، وحالته الصحية، وبنيته الجسدية.
وتبين صبح لـ "فلسطين" أن الطفل يجب أن نشرح له أهمية الصيام، والفائدة العائدة عليه من الصيام، والتقرب إلى الله.
وتشدد على عدم ربط الصيام بمعاقبة الله له بالنار، بل جعل هذه العبادة مصدرًا للسعادة، وليست للألم، وأنه بصيامه سيجزيه الله بالجنة.
وإذا لم يكن الطفل في سن التكليف، تؤكد صبح أن الطفل أقل من عشر سنوات غير مكلف بالصيام، "فإذا تذمر وشعر بالجوع فلا بد من السماح له بالسحور في سائر اليوم أكثر من مرة، ومعاودة الصيام".
وتابعت: "وفي حال اشتكى من الجوع على الوالدين ألا ينكرا مشاعره، بل عليهما أن يشاركانه بقول نشعر بك فنحن جائعان، وعطشانان، وإذا لاحظنا مظاهر الضعف والوهن يجب أن نفطره، والابتعاد عن إجبار الطفل على الصوم فيصبح كل ممنوع مرغوب ويفطر دون علمهما".
وتنصح صبح بمشاركة الطفل في إعداد الطعام ليسلي وقته، ويدخل الفرحة على قلبه، ويشعر باستقرار نفسي، وأنه عنصر فعال في العائلة، مع تأكيد له أنه يحصل على حسنات مضاعفة بسبب الصيام.
وتلفت إلى أن تقريب الطفل للعبادات الأخرى حالها كحال الصيام، شرط أن تربط العبادات بالمتعة وربطها بسلوك إيجابي وممتع، وضرب سلوك الرسول كمثال على أن يصلي حينما يشعر بالتعب، وتبيان أن الصلاة مصدر للراحة.
فرصة تربوية
وإذ تؤكد أن شهر رمضان فرصة مثالية لتربية الأطفال على القيم الدينية والأخلاقية منذ طفولتهم المبكرة، وفرصة لتهذيب سلوكهم عن طريق اللعب والترفيه والأنشطة المختلفة.
ومن بين الأنشطة التي حثت الاستشارية التربوية على ممارستها: تزيين المنزل بزينة رمضانية، وأداء صلاة الجماعة وصلاة التراويح، وتخصيص ركن رمضاني مميز للصلاة وقراءة القرآن، والتبرع ومساعدة الفقراء، وقراءة قصص الأنبياء وشهر رمضان.
كما أشارت صبح إلى أهمية الحرص على دعوة الأقارب والأهل، ومرافقة الطفل لوالده للصلاة في المسجد، والطفلة أن تصلي بالقرب من والدتها في البيت مع ربط الصلاة بحضن دافئ، وقبلة شكر.
وتلفت كذلك إلى أن الطفل ينظر بحماس للعيدية وفرحة العيد بعد شهر من الصيام، ويتشوق للمكافأة التي سينالها نتيجة أعماله الحسنة، فلقد استعد بشوق ولهفة لشهر كامل، وكانت مرحلة التدريب إيجابية جدا، فلا بد من مكافأته بهدية قيمة من الأهل.