من جديد تعود للواجهة حالة الاستعراض الأمني التي تمارسها قوات الاحتلال، فكانت التكنولوجيا ودقة العامل البشري وإصابة الهدف كلها زوايا يعيد الاحتلال الإسرائيلي من جديد التركيز عليها في عمليات الاغتيال اليومية في الضفة الغربية؛ مستخدماً هذا الأسلوب الاستعراضي في محاولة منه لتحقيق أهداف عديدة أبرزها رفع الروح المعنوية لوحداته الخاصة وشارعه المحبط جدا من جراء العمليات التي نفذتها المقاومة بطراز مذهل ناجح بارع في الداخل، كما أن الاحتلال وأجهزة استخباراته المتعددة تسعى من هكذا استعراض إلى التغطية على الفشل الكبير الذي منيت به أقوى وحداته الأمنية العسكرية السرية وهي "سيرت ميتكال" التي تلقت ضربة مؤلمة متعددة المحطات في غزة منها ما عرفناه مباشرة على الهواء حينما قتل قائدها على يد البركة نور، ومنها ما ألمحت المقاومة لفشل محاولتها، ومنها ما لا ينشر ولا نعرفه.
الآن وفي جغرافيا أخرى وبظروف مختلفة وبآليات متعددة يسعى الاحتلال لنقل الصورة التي يريدها والأهم في رسائله إعادة هيبة جيشه ووحداته الخاصة للواجهة في عقول الفلسطينيين، يحاول جاهدا أن يلغي ما بنته معركة سيف القدس التي وقعت في مايو الماضي من معنويات وجبهة داخلية وقناعة لدى كل فلسطيني كبير وصغير شاب وفتاة أن الاحتلال هش ومنظومته الأمنية عبارة عن استعراض وشكلية ممنهجة لبث الخوف والإحباط في نفوس الناس.
الاحتلال اليوم في استعراضات "اليمام" البهلوانية في الضفة الغربية يريد أن يعبد فكرة الجندي الذي لا يقهر في قلوب الفلسطينيين وعقولهم.. يريد أن يطمس أي معالم معنوية وبناء ثقة بقدرة الفلسطينيين على التقدم والتحرير.
اليوم تقوم وحدة اليمام بمهزلة أمنية تتفاخر بأنها تغتال في قلب نابلس وجنين وتتجاهل أنها وحدة أقل تدريبا وكفاءة ومعدات وتكنولوجيا من "سيرت ميتكال" التي صفعها الفلسطيني في غزة.
فيحاول اليوم إظهار أن كل شيء مكشوف لديهم ووحداته الخاصة لديها تقنيات عالية وتصيب حينما ترى الأهداف، وهي شبان يواجهون الاحتلال كل يوم وينفذون عمليات إطلاق نار وليسوا متخفين أو يحتاج ملفهم لهذه "الهمبكات" الأمنية والإعلامية التي يريد الاحتلال من خلال نشرها لبث الرعب في قلوب الناس.
ما جرى في نابلس قبل شهرين وتلاه في جنين وطولكرم ورام الله هو المنطق الأمني الاستخباراتي المبني على نظرية إعادة الهيبة ومسح الخلل، وهذا يتطلب قوة بطش أكثر وقتل مباشر ولقطات مصورة ينشرها الاحتلال لتنفيذ "اليمام" لهذه العمليات التي يصورها أنها إنجاز استخباراتي كبير.
طبيعة الاحتلال الإسرائيلي مبنية على تخويف الذي أمامه وإشعاره أن كل حركاته مراقبة وأنهم يعرفون كل شيء، وحينما يفشلون فورا تجد إجابتهم على مرحلتين أولاها أن الأهداف المرجوة تمت وأن ما أردناه هو إضافي؛ والمرحلة الثانية التي يستخدمونها للتغطية على أي فشل عبارة مشهورة أمنيا ينشرونها في الإعلام وهي "لو لم تكن قواتنا مستعدة لكانت مجزرة في صفوفها"، "القدر كان معنا بحيث تمكن أفراد الوحدة من كشف آخرين لو تمكنوا من تنفيذ مخططهم لوقعت الوحدة في كمين، إلا أن تدريباتها وفطنة قيادتها منعت ذلك".
طبعا المتطلبات النفسية لتبرير أي فشل جاهزة لديهم وهذا جزء من منظومة الفبركة والتهويل والترهيب للمقابل والمحيط.
بين اليمام في الضفة وميتكال في غزة فرق شاسع وكبير، هناك حيث الرمال ابتلعت قائدها وما زال جنود دخلت للبحث عنهم مفقودين رغم امتلاك الاحتلال العنصر التكنولوجي والبشري والإسناد من الكثير من الدول إلا أن الفشل كان حليفهم، وبين اليمام التي تدخل في وضح النهار في الضفة لتغتال مواطنين ومقاومين يركبون المركبات ويستخدمون الجوالات ويطلقون النار يوميا على الحواجز والآليات؛ فهذا المشهد ليس بحاجة لفبركة إعلامية تهول وتسمي الحدث إنجازا ولا يتجاوز في طبيعته المهنية أنها مواجهات واشتباكات.
اليمام لم تفرح كثيرا في محاولة فرض الهيبة حتى صفعها شبان جنين بفطنة ويقظة؛ باغتوا المباغت وأطلقوا الرصاص قبل أن يدرك ذاك المقاتل في اليمام أن العملية بدأت بقرار من صدر بحقه القرار.
بعد جنين اليمام ستعيد حسابات التهويل والتبرير خاصة أن عناصرها أصيبوا برصاص شبان لم يتلقوا تدريبا أو دورة أو حتى فرصة طويلة في التعامل مع عنصر المفاجأة الأمنية والعسكرية.
اليمام أعادت لذاكرتنا سيرت ميتكال أكبرها قدرا وعمرا وتطورا وتدريبا التي ورغم كل ذلك لم تستطع لملمة أشلاء أفرادها أو حتى لجم أم محمد يومها عن البكاء.