تستغل السلطة في رام الله "المحكمة الإدارية" التي شكَّلها رئيسها محمود عباس منفردًا قبل أكثر من عام تقريبًا، لتحقيق أهداف سياسية ومحاولة الالتفاف على حقوق الموظفين في القطاعات المختلفة، عبر إخماد شرارة الفعاليات النقابية الرافضة لسياسات الحكومة والمُطالبة بحقوقها المالية.
وأول من أمس، بدأت نقابة التمريض والقبالة الفلسطينية إضرابًا شاملًا في مستشفيات الضفة الغربية المحتلة، احتجاجًا على تجاهل حكومة رام الله مطالب موظفيها التي تنادي بها منذ عدة سنوات.
وكانت النقابة قد أعلنت في بيان لها صدر الأسبوع الماضي، أنها تنوي البدء في هذا الإضراب، لكن سرعان ما أصدرت "المحكمة الإدارية" يوم الثلاثاء في الـ29 مارس الماضي بعد رفع وزيرة الصحة مي الكيلة دعوى بالخصوص، إلا أن النقابة أصرّت على المُضي في إضرابها أول من أمس الأربعاء.
وقال المتحدث باسم نقابة التمريض طلعت زيادة: "لم نبلغ بقرار المحكمة الإدارية حسب الأصول والقنوات الرسمية للنقابة".
وأضاف زيادة في تصريح لصحيفة "فلسطين"، "لذلك نحن مستمرون في فعالياتنا الاحتجاجية ضمن خطة النقابة، لكن إذا بُلغنا رسميًّا من المحكمة فإننا نحترم القانون، مع العلم أن مجلس النقابة في حالة انعقاد دائم، ولديه مستشارون قانونيون، وسيرى المجلس أفضل الطرق لتحقيق أهدافه وتلبية مطالبه".
وأكد أن نقابة التمريض "جسم نقابي قانوني ومرخص حسب القانون الفلسطيني، ويحافظ على مصالح الأعضاء المنتسبين له، وهو يمثل شريحة واسعة جدًّا؛ 10 آلاف ممرض في الضفة الغربية، وقرابة 5 آلاف بغزة".
وأشار إلى مجموعة اتفاقيات تنصلت الحكومة منها بخصوص قطاع التمريض، وهي ترتبط بطبيعة العمل لفئة التمريض في وزارة الصحة التي تتراوح نسبتها بين 40-60 بالمئة، في المقابل تمنح لفئات أخرى في الوظيفة العمومية بالمؤسسات والوزارة ومنها الصحة تحديدًا، بنسب تتراوح بين 120-200 بالمئة.
وهذا يعني -كما يقول زيادة- أن الممرض الذي يتعرض للأوبئة والجراثيم ويتعامل بشكل مباشر مع المرضى وعلى رأس عمله 24 ساعة طيلة العام، لم تنصفه الحكومة ولم تعطِه حقه، موضحًا أن اتفاقيات سابقة نصت على أن الحكومة ستعدل هيكلية وزارة الصحة وتراعي القاعدة العريضة والأساسية لفئة التمريض.
وأشار إلى أن صمت نقابة التمريض بعد عقد اتفاقيات في الأعوام الماضية مع الحكومة في رام الله، فُهِم بشكل خاطئ، مؤكدًا أنها "ستبقى الحامي الأمين على مصالح هيئتها العامة".
ونبَّه إلى أن حملة دبلوم التمريض يعانون من إجحاف في وزارة الصحة حسب سلم الوظيفة العمومية، لافتًا إلى أن تخصص "الإدارة الصحية في الوزارات"، لم تعتمده وزارة الصحة رغم أن اتفاقيات سابقة تنص على اعتماد هذا التخصص للممرضين، وهناك رؤساء أقسام وشعب لا يحصلون على هذه الدرجات.
تعسف ومماطلة
وكان عباس قد أصدر قرار بقانون عام 2020 أن "المحاكم الإدارية تختص دون غيرها بالنظر في المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية وأي اختصاصات أخرى منصوص عليها في هذا القرار بقانون أو بموجب أي قانون آخر".
وأفاد عضو الهيئة العامة في نقابة المحامين سهيل عاشور، بأنه جرى إصدار قرار بقانون آخر قبل عدة أيام بتعيين هيئات المحكمة الإدارية.
وأوضح عاشور في حديثه لصحيفة "فلسطين"، أن القضاء الإداري أصبح على درجتين، المحكمة الإدارية والإدارية العليا، إذ حدد القانون المهام الموكلة للمحكمة الإدارية وهي كل القرارات الصادرة عن السلطة التنفيذية والنقابات ومجالسها وغيرها أيضًا.
وبيّن أن القرارات الصادرة عن مجالس النقابات أصبحت خاضعة لرقابة المحكمة الإدارية ويجوز الطعن بها بموجب القرار بقانون أمام المحكمة الإدارية، ويجوز أيضًا استئناف القرار الصادر من "الإدارية" إلى "الإدارية العليا".
وأشار إلى أن وزارة الصحة تقدمت بدعوى ضد النقابة للنائب العام بخصوص وقف الإضراب الذي جرى الإعلان عنه في بيانهم، في حين قدم الأخير طعن للمحكمة الإدارية وفقًا لقرار بقانون آخر يمنع الإضراب للعاملين في المرافق الطبية.
وسبق لمحاكم السلطة برام الله، أن أصدرت قرارات مشابهة، بوقف الإضرابات النقابية، خاصة إضرابات نقابة الأطباء لأكثر من مرة، وقرارًا بوقف إضراب نقابة المحامين في وقت سابق.
ورأى عاشور، أن هذه القرارات تؤدي إلى تعسف السلطة التنفيذية والمماطلة ببعض القرارات، رغم وجود اتفاقيات بين السلطة التنفيذية ومجلس الوزراء ونقابة الأطباء والتمريض سابقًا واتفاقيات موقعة "لكن الحكومة لم تلتزم وتم إرجاء التنفيذ".
ولفت إلى أن الحكومة أرجأت تنفيذ الاتفاقيات تحت مبررات إمكانية التوصل لحلول أخرى بعيدًا عن الإضراب عن العمل في المرافق الصحية.
وبحسب عاشور، فإن هناك حالة تزاوج بين السلطتين القضائية والتنفيذية "وهذا ملموس على أرض الواقع"، مؤكدًا أن له آثارًا سلبية على حقوق بعض الموظفين.
ويؤيد الباحث القانوني عماد صلاح الدين ما ذكره عاشور، مشيرًا إلى أن المحاكم جزء من التشكيلة المتكاملة للسلطة في رام الله.
وبيّن صلاح الدين في حديثه لـ"فلسطين"، أن السلطة القضائية تتأثر بالسياسات التي تقرها السلطة، مؤكدًا أن الحالة القضائية في الضفة تشهد تراجعًا ملحوظًا عقب تفشي المحسوبية والفساد لدى أوساط السلطة.
وأوضح أن هناك حالة من الترهل الإداري لدى المنظومة القضائية مما ينعكس على استقلالها وصوابية قراراتها، قائلًا: "الأوضاع تزداد تراجعًا شاملًا على المستوى الوطني والسياسي والاجتماعي".
وأضاف: "هناك تراخٍ في مسألة تعيين القضاة أيضًا، ومن ثم حينما يشعر الرئيس بالضعف أو الخوف على وجوده تزداد قبضته ضد الشعب عبر إصدار قرارات بقوانين".
وختم صلاح الدين حديثه: "السياسة تغلب الاستقلال والشفافية والسلطات الأخرى القضائية التشريعية، والغالب هو التنفيذية على حساب السلطات".